بدر بن عبدالمحسن المقحم
تعتبر العلاقات السعودية الأمريكية من أقدم العلاقات بين البلدين حيث تعود بداياتها للعام 1933م حيث تم منح امتياز البحث والتنقيب عن البترول السعودي لشركات النفط الأمريكية كما أرسلت بعثة دبلوماسية أمريكية إلى المملكة بين عامي 1942م- 1943م، وأقامت المملكة مفوضية لها في واشنطن في عام 1946م، ثم أصبحت للدولتين سفارة في كل من جدة وواشنطن في عام 1949م، ويرجع أساس هذه العلاقة إلى اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والرئيس فرانكلين روزفلت في 14 فبراير 1945م الذي يعتبر حجر الزاوية في علاقات البلدين على المستويين الدبلوماسي والاستراتيجي والانطلاقة لبناء جسور من التعاون بينهما طوال ثمانية عقود مضت، ولعل المحطات التي مرت بها تلك العلاقات كانت هي المحاور الرئيسية التي تدور حولها مختلف القضايا بين البلدين، فالقضية الفلسطينية، والتدفقات النفطية مع المحافظة على استقرار السوق العالمية لهذه السلعة، وأمن المنطقة، والموقف من الشيوعية في حقبة سابقة، وصفقات الأسلحة، والتبادل التجاري، وملف مكافحة الإرهاب، والتعاون التعليمي والفضائي والصحي وغيرها من المجالات كانت أبرز المحطات التي انصب عليها العمل منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر.
ومن الطبيعي أن المسائل السياسية وقضايا المنطقة وما يتصل بالقضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى وعدم انصياع الكيان الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وانحياز الجانب الأمريكي لهذا الكيان واستمرار توسعه الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 1967م شكّل عاملاً من عوامل التباين في موقفي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لاسيما وأن القدس الشريف تمثل أهمية خاصة قي ضمير العالمين العربي والإسلامي حيث المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما أن الصلف الإيراني في المنطقة وتهديداته الأمنية لها وتدخلاته في الشؤون الداخلية لدول الجوار وبالذات الخليجية منها وتسليحه لبعض عناصر موجودة في أقطار عربية مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن بهدف زعزعة استقرار هذه الدول وتصدير الثورة ألقى بظلاله هو الآخر على العلاقات السعودية الأمريكية وذلك لعدم اتخاذ الإدارات الأمريكية المتعاقبة موقفاً حازماً من هذه السياسات الإيرانية العدوانية لدول المنطقة وتهديدها المستمر لممرات الملاحة الدولية وأمن الطاقة.
إن الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للمملكة في منتصف الشهر الحالي, ينتظر منها أن تخرج بنتائج تخدم تلك العلاقات بين البلدين, خاصة أن المملكة تتمتع بمكانة عالمية وتحظى بأهمية لدى مليار ونصف المليار مسلم, ولديها الكثير من المزايا الإستراتيجية والجيوسياسية وبالتالي تملك من مقومات أن تلعب دوراً عالمياً في الحفاظ على الاستقرار الدولي, والإسهام في التنمية البشرية وهو ما سيساعد على تكامل هذه العلاقات مع الجانب الأمريكي الذي يعتبر في قمة الأقطاب الدولية في وقتنا الحاضر، ويسهم في تحقيق مبدأ توازن المصالح بينهما وتصحيح العلاقة بين الإسلام والغرب التي تأثرت سلباً بالإسلام فوبيا وما يروج عن الإسلام زوراً وبهتاناً أنه دين متشدد ومتطرف وراديكالي، فثمة فرق بين هذا الدين السماوي وسلوك بعض المسلمين الذي أساؤوا لعدالة الإسلام وسماحته حيث تم تضخيم هذا السلوك على أنه هو الإسلام وبالتالي انعكست على مشاعر المسلمين قاطبة تجاه الغرب بوجه عام. كما أن حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية من شأنه ضمان استقرار المنطقة وازدهارها وقطع الطريق على من يزايد على هذه القضية ويقوض أمن المنطقة باسمها كإيران مثلاً، وسحب البساط على من يريد المزيد من الصراعات بسببها لإعلاء شأن طائفة معينة دون طائفة أخرى وتحت شعارات من الموروثات التاريخية التي وظفت ضد مصالح المجتمعات العربية والإمعان في التدخل بشؤون الدول الداخلية لتحقيق أجندات طائفية ومذهبية ضيقة بهدف الوصول إلى أهداف سياسية وفكرية مشبوهة.
إن ما يتردد في وسائل الإعلام من نية الولايات المتحدة بناء تحالف ضد إيران وبمشاركة بعض دول المنطقة لابد أن يكون قائماً لو تحقق على المصداقية والجدية في القول والعمل, وأن لا يكون صورة مستنسخة من التحالف الدولي ضد داعش الذي لم يحقق أهدافه بالشكل الذي يتناسب مع حجم هذا التحالف, بل إن الظاهر على السطح هو الانتشار الداعشي الذي يفوق عدد هذا التحالف جغرافياً وامتداد خطره إلى أبعد من ذلك، مع أهمية أن يراعى في مسار العلاقات السعودية الأمريكية احترام الخصوصيات الدينية والأخلاقية والقيمية لكلا البلدين وأن لا تفرض القيم الغربية على الغير باعتبارها هي الأنسب للجميع لأن من مكاسب هذا الاحترام تعزيز ثقافة السلام العالمي، وترسيخ مبدأ الأخلاق في العلاقات الدولية، وترشيد الخطاب العالمي لما يخدم البشرية جمعاء وينزع فتيل أي دوافع للكراهية أو الازدراء تجاه الآخر.
وفي هذا المقام لابد من التذكير بالمقولة الخالدة للخليفة الراشد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال (الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) وذلك كأساس لا بد منه في بناء العلاقات الإنسانية ونبذ التعصب.