د.عبدالعزيز الجار الله
رحل آخر جيل خبوب بريدة القديمة - القرى الزراعية-، جيل غابات نخيل القصيم والتمر المخضب بالمحبة في رمال نفود غميس بريدة الغربي، رحل عنا الرحالة الشيخ محمد بن ناصر العبودي يوم الجمعة الماضية 2 -12-1443هـ - 1يوليو 2022م رحمه الله رحمة واسعة، وجعله بمنزلة الشهداء والصديقين، فقد رحل بعد أن طوى صفحة جيل بريدة التي كانت تحيط بها الأسوار الطينية والبوابات الخشبية الكبيرة، بريدة التي أحبها العبودي كما أحب مدينة الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتضاريس المملكة، ومدن آسيا الوسطى بلاد مابين النهرين، وبلاد ماوراء نهر جيحون وسيحون، ووسط بلاد الجبال في القوقاز شرقاً، أما غرباً في شرقي وغربي أفريقيا حتى شواطئ المحيط الأطلسي الشرقية.
هكذا كانت حياة الشيخ العبودي مشوار القرن مائة عام من الترحال والدعوة إلى الله ونشر الرسالة المحمدية في معظم أقطار العالم، فالعبودي وهب نفسه وحياته للدعوة إلى الله والتأليف والتعريف بشعوب العالم الإسلامي والتواصل معهم، ونشر تلك المعارف بمؤلفات تصل نحو (400) كتاب وموسوعة، حوالي (270)كتاباً مطبوعاً والباقي كتب تحت الطبع وأخرى مخطوطات ومشروعات للإصدار، كان آخر الإصدارات موسوعة أسر القصيم الذي تجاوز أعداد الكتب (50) كتاباً ركز فيها على الحياة الاجتماعية والحضارية والتاريخية لسكان المنطقة، تولى الإشراف على طباعة بعضها الدكتور محمد المشوح كما قدم برنامجه الإذاعي وحلقاته عن رحلات الشيخ، وما زالت تذاع في إذاعة القرآن.
العبودي (بردت) له الرحلات والدعوة إلى الله وتأليف الكتب كما بردت مدينة بريدة لأهلها من الغزاة وهو أحد اشتقاقات اسم بريدة من القرن التاسع الهجري حين كانت القرى النجدية المسورة تستعد للنهوض مرة أخرى بعد الكارثة التي خلفتها حملات المغول في منتصف القرن السابع الهجري على العراق والأطراف الشمالية للجزيرة العربية، قابلها مقاومة دولة السلاجقة ودولة المماليك، حتى عاد الهدوء لأقاليم الجزيرة العربية ووسطها بما فيه القصيم.
- كما أن الشيخ العبودي تعرف في طفولته قبل أكثر من (95) سنة تعرف على أنماط الشعوب وعاداتها التي كانت تأتي على قوافل الحج والتجارة من شرق العالم الإسلامي من شرقي الصين مروراً بوسط وغرب آسيا ببلاد الجبال ثم شمال الخليج العربي من شط العرب عبر طريق البصرة الذي يربط شرقي العالم الإسلامي والعراق مخترقاً منطقة القصيم مابين بريدة وعنيزة من الشمالي الشرقي للقصيم إلى الجنوبي الغربي ليربط بالمدينتين المقدستين مكة والمدينة، وأيضاً الطريق الرئيس درب زبيدة الذي يمر بالقصيم مما جعل الشيخ العبودي يغوص في تفاصيل الرحلات والدعوة إلى الله لتكون مكة المكرمة محوراً للشرق والغرب.
- رحم الله هذا الشيخ الجليل محمد العبودي، الذي قدم لدينه ووطنه كل ما يستطيع أن يقدمه، وجعل بين أيدينا سجلاً ليوثق تاريخ وجغرافية وطنه والعالم الإسلامي.