د.أمل الهدابي
تمثل المملكة العربية السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي ورمزيتها الدينية والروحية وسياساتها الحكيمة والهادئة رقماً صعباً يستحيل على أي قوة دولية مهتمة بالمنطقة وتسعى لتعزيز دورها عالمياً، تجاوزها أو تجاهلها، لأن هناك قوى إقليمية يصعب القفز على دورها أو تجاهل التنسيق معها في ملفات وقضايا إستراتيجية عدة. هذا الأمر ينطبق جملة وتفصيلاً على الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، فبعد شهور من الجدل بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية - السعودية داخل أروقة مؤسسات صنع القرار ووسائل الإعلام الأمريكية حول مواقفه السلبية تجاه المملكة، وكيف سيكون شكل العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، أعلن الرئيس بايدن عن زيارة مرتقبة للرياض منتصف شهر يوليو المقبل، حيث من المقرر أن يلتقي قيادتها السياسية ممثلة بالملك وولي العهد للبحث في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية التي لا يمكن للإدارة الأمريكية إنجازها من دون الدعم السعودي، من الملف الإيراني إلى السلام الإقليمي إلى أزمة الطاقة العالمية وتبعات الحرب الروسية - الأوكرانية، وغيرها من ملفات وقضايا مهمة.
مع كل أزمة إقليمية أو دولية يتضح للغرب عامة، وللولايات المتحدة خاصة، أن دول الخليج العربية بقيادة السعودية لها دور مركزي في معالجة تبعات الأزمات، حدث ذلك مع تفاقم أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية على العالم كله، ولا سيما ما يتعلق منها بتأثيرها على قضية أمن الطاقة العالمي بعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز وسعي الدول الغربية لتقليل الاعتماد على نفط وغاز روسيا (ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم) وفرض عقوبات عليها. وحدث أيضاً عندما اتضح للغرب ولواشنطن تحديداً حقيقة الخطر والتهديد الذي تشكله إيران وعدم جديتها في مفاوضات الملف النووي، وهو الأمر الذي دأبت المملكة على التأكيد عليه وعلى خطورة السياسة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وإذا كانت الولايات المتحدة والدول الغربية تعي حقيقة أن السياسة فن الممكن الذي يجب أن يبنى على العقلانية ولغة المصالح، فإن هذه المصالح يجب أن تكون مصالح مشتركة لمختلف الأطراف، وليس مصلحة لطرف على حساب آخر، بمعنى أن تأخذ واشنطن بعين الاعتبار مصالح الدول الخليجية والعربية وعلى رأسها السعودية، فلا تهرول للعودة للاتفاق النووي مع إيران من دون أخذ المخاوف الخليجية بعين الاعتبار، ولا تطلب من دول المنطقة أن تكون طرفاً في صراع بين واشنطن وموسكو، لأن السياسات الخليجية، وخاصة السعودية والإمارات، مبنية على قاعدة التعاون وتبادل المنافع والمصالح المشتركة مع جميع الدول، وأن علاقاتها الدولية قائمة على الاحترام المتبادل.
لا تألو المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة جهدا في العمل من أجل تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية ليس في الشرق الأوسط فقط، وإنما في العالم كله، كما تعمل الدولتان جنباً إلى جنب من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي وصياغة ورسم ملامح نظام إقليمي جديد يقوم على مبادئ الحوار والتعاون البناء لتحقيق الاستقرار والتنمية لجميع دول المنطقة وشعوبها. ومن هنا جاءت الدعوة الحكيمة التي وجهها الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس بايدن لزيارة المملكة، وعقد قمة يوم 16 يوليو المقبل بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول مجلس التعاون الخليجي الست وكل من مصر والأردن والعراق. حيث يلاحظ الجهد السعودي الكبير في التمهيد لهذه القمة من خلال الجولة الموفقة التي قام بها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وشملت كل من مصر والأردن وتركيا، بهدف تعزيز التعاون والتنسيق وتوحيد الرؤى بشأن القضايا المزمع أن تناقشها القمة وإسماع الرئيس الأمريكي صوتاً واحداً تجاه مختلف هذه القضايا.
إن الدلالة الأهم لزيارة الرئيس بايدن للسعودية وعقد القمة الأمريكية - العربية في المملكة هي أن السعودية بقيادتها الحكيمة قد فرضت نفسها باعتبارها دولة صاحبة دور قيادي في المنطقة والعالم كله، ويصعب تجاوز هذه الدور أو تجاهله، وهذا يشكل بكل تأكيد أساس استراتيجي لمستقبل من الشراكة الإستراتيجية المهمة ليس فقط بين واشنطن والرياض ولكن بين هذه الأخيرة ومختلف القوى الدولية.