صلاح عبدالستار محمد الشهاوي
الحساب لغة: العد، يقال: حسب الشيء يحسبه حسابا: عده. والحسب: العد والإحصاء. والجمل بتشديد الميم: حبل السفينة الذي يقال له القلسُ، وهو حبال مجموعة. وقد سميت حبال السفن جمالات – بتشديد الواو– لأنها تُجمع فتكوّن عظيمة بحيث تصير في حجم أوساط الرجال. ومنه الجُمّلة: الحروف التي تجمع في كلمة، ثم تجمع الكلمات في جملة ذات معني.
وحساب الجمل بتشديد الميم: حساب الحروف المقطعة، وهو ضرب من الحساب يُجعل فيه لكل حرف من الحروف الأبجدية عدداً من الواحد إلى الألف على ترتيب خاص.
وعلماء الأرقام يقولون لا توجد صدفة في علم الأرقام، فالإنسان رقم وحرف، لأن للأرقام صلة وثيقة بالحروف.
وحساب الجُمل الذي هو استخدام الحروف الأبجدية للدلالة على الأعداد، وهو نظام استعمل قبل استعمال الأرقام المتداولة، وكان العرب يستعملونه في مشرق الوطن العربي ومغربه، وحساب الجمل يعتمد على ترتيب حروف الهجاء الأصلي (حسَابُ الجُمَّل طريقةٌ حسابية تُوضَع فيها أحرف الهجاء العربية مقابل الأرقام، بمعنى أن يأخذ الحرف الهجائي القيمة الحسابية للعدد الذي يقابله)، وهو غير الترتيب الألفبائي الشائع اليوم، فالترتيب الأصلي القديم هو الترتيب الأبجدي الذي يعتمد على اللغات السامية القديمة: (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، تخذ، ضطغ)، وقد كان كل حرف يتمثل قيمة عددية معينة، وحروف الهجاء في تلك اللغات لا تفيد تركيب الألفاظ فقط بل تتخذ أيضاً للأرقام الحسابية، منها إفراد وهي: (أبجد، هوز، حطى) ومنها عقود وهي: (كلمن، سعفص). ومنها المئات من المئة الأولى إلى المئة الرابعة وهي (قرشت) ومن المئة الرابعة حتى الألف في (ثخذ، ضظغ).
وعلى هذا فلكل حرف له مدلوله الرقمي التي تبدأ برقم 1 وتنتهي عند الرقم 1000 وهى كالآتي:
أ=1 ، ب=2، ج=3، د=4، هـ=5، و=6، ز=7، ح=8، ط=9، ي=10، ك=20، ل=30 ، م=40 ، ن=50 ، س=60، ع=70، ف=80، ص=90، ق=100، ر=200، ش=300، ت=400، ث=500، خ=600، ذ=700، ض=800، ظ=900، غ=1000.
وقد استخدم العرب منذ الجاهلية إلى صدر العصر العباسي طريقتين للعدّ الحسابي، فكانوا إذا أرادوا أن يسجلوا عددًا في البيع والشراء مثل: (950 دينارًا) دوّنوه كتابة بالحروف هكذا: تسعمائة وخمسون دينارًا، أو سجَّلوه بحساب الجمّل هكذا: ظن، لأن قيمة الظاء (900) وقيمة النون (50). وإذا أرادوا حساب الفعل «ذهب» فإنه يكون «707» وذلك لأن الذال في حساب الجُمل تساوي «700» والهاء تساوي «5» والباء «2» فالمجموع» 707».
إذ يعطي كل حرف رقما معيناً يدل عليه، ومن تشكيلة هذه الحروف ومجموعها يصلون إلى ما تعنيه من مقصود، أو العكس، إذ يستعملون الأرقام للوصول إلى النصوص.
ثمَّ انتشر استخدام هذه الطريقة في العصور المتأخرة، خاصة في العصر المملوكي فيما عرف بالتاريخ الشعري الذي ظل معروفًا مستخدمًا إلى زمان قريب.
التاريخ ومفهومه
كلمة تاريخ تعني في لغتنا العربية «الزمن» وبيان الوقت، جاء في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي: «التاريخ في اللغة هو الإعلان بالوقت، فيقال أرَّخت الكتاب وورَّخته، أي بينت وقت كتابته».
وجاء في كتاب الخراج لقدامة بن جعفر: «تاريخ كل شيء آخره ووقته الذي ينتهي إليه زمنه، فيؤرخ الناس بالوقت الذي وقعت فيه حوادث مشهورة».
وقد قيل أن كلمة تاريخ لفظ عربي قديم، وقيل إنها عربت عن الكلمة الفارسية «ماء روز» أي: بداية القمر، أو بداية ظهور الهلال.
وقد استخدمت كلمة التاريخ في تراثنا العربي للدلالة على التاريخ العام، أو تدوين الحوادث المهمة، ومن ثم أصبح اللفظ ينصرف إلى الحدث التاريخي كما وقع، ثم رواية هذا الحدث بتحديد الزمن الذي وقع فيه. وكذلك فإن كلمة تاريخ تستخدم في لغتنا العربية أيضاً للدلالة على مسيرة الإنسان الحضارية منذ بداية وجوده على سطح الأرض.
فن التأريخ الشعري:
التاريخ الشعري من الفنون البراقة في مجال الأدب العربي، لما يتضمنه من عبقرية تبهر متلقيها إعجاباً، بعظمة الفكر، وسرعة الخاطر، ومتعة التصوير، ودقة المعني، وإن كان جموحاً صعب المأخذ، إلاَّ أن له جمالية ونظماً وقواعد خاصة، لا يخضع له أدب غيره.
القواعد الأساسية في استعمال التأريخ الشعري وحل رموزه:
- تحسب الحروف حسب صورتها من دون مراعاة للفظها في الغالب.
- تاء التأنيث منقوطة أم غير منقوطة تحسب هاء مثل: فتاة، مرآة.
- الألف المقصورة في سلمى وغيرها تحسب ياء لا ألفا
- الحرف المشدّد، أو الممدود، لا ينظر فيه ولا يعتد به ويعامل حرفاً واحداً
- همزة الوصل تحسب ألفاً على الرغم من سقوطها لفظاً
- الهمزة في جزء وجزاء وما شابهها لا تحسب أصلاً
- الواو في الصلاة تحسب واواً
- يبدأ عد الأحرف بعد كلمة أرخ مباشرة
- يجب أن يكون المقصود بالحساب من بيت واحد أو شطر بيت، ولا يجوز أن يكون أكثر من بيت واحد.
- يجب أن يكون للكلام الجامع للتأريخ معنى له تعلق واتصال بما قبله وهنا تتجلى مقدرة الشعراء الحقيقية.
نماذج رائقة من فن التأريخ الشعري:
التاريخ الشعري يقوم على إيراد الحدث المؤرخ له ضمن بيت من الشعر أو قِسْم منه، ويكون غالبًا بعد كلمة أرِّخ أو أحد مشتقاتها، ومثاله
قول ابن الجزري يذكر عدد أبيات قصيدته بطريقة حسابية لطيفة وذلك في قوله:
أبياتها قاف وزاي في العدد
من يحسن التجويد يظفر بالرشد
القاف «100» والزاي «7» وذلك بحساب الجمل، فالمجموع إذن 107 وهو عدد أبيات القصيدة.
وقول أحدهم يذكر تاريخ طبع كتاب المخصَّص في اللّغة لابن سِيْدَه في سنة 1321هـ:
أقول لما انتهى طبعا أؤرخه جاء
المخصص يروي أحسن الكلم
وبجمع قِيَم حروف الشطر الثاني من البيت - وهو القِسْم الواقع بعد كلمة أؤرخه - نحصل على التاريخ المطلوب، فكلمة (جاء) قيمة حروفها (4)، والهمزة لا قيمة لها، وكلمة (المخصص) قيمتها (851) وكلمة (يروي) قيمتها (226) وكلمة (أحسن) قيمتها (119) و(الكلم) قيمتها (121) فيكون المجموع 4 + 851 + 226+ 119+ = 1321 هـ وهو التاريخ الذي تمَّ فيه طبع الكتاب.
وقد طور الشعراء هذا الحساب، إذ صاروا يؤرخون للحواث، كالولادات والوفيات، وبناء المساجد، والحج، والزواج الخ ....، وذلك وفقاً لقواعد منها أن يقوم الشاعر بتأريخ الحادثة ببيت من الشعر أو شطر بيت، بعد هذه المفردات ومشتقاتها (أرخ، أُرخت، تأريخه).
ومن ذلك قول أحد الشعراء مؤرخا وفاة أحد أصدقائه لشعراء ويدعي الدلنجاوي:
سألت الشعر هل لك من صديق
وقد سكن الدلنجاوي لحده
فصاح وخرّ مغشياً عليه
وأصبح راقداً في القبر عنده
فقلت لمن يقول الشعر أقصر
لقد أرخت: مات الشعر بعده
وبما أن حساب الجمل يبدأ بعد كلمة أرخت، وكأن هذه الكلمة مفتاحية من الشاعر، تدلنا من أين نبدأ بالحساب لنصل إلى التاريخ المطلوب وهو وفاة الدلنجاوي ليكون:
مات= م (40) + ا (1) + ت (400)= 441
الشعر= ا (1) + ل (30) + ش(300)+ع(70)+ر(200) =601
بعده= ب(2) + ع(70)+ د (4)+ هـ (5) =81
وبعدها نجمع نتائج الكلمات لنعرف تاريخ وفاة الدلنجاوي:
441+ 601+81= 1123هـ
ولقد اشتهر بفن التواريخ الشعرية العديد من الشعراء حتى ان بعضهم استطاع أن ينظم ديوانا كاملاً في التواريخ الشعرية.
ومن أمثلة التواريخ الشعرية ما قاله الشاعر محمد على النجار مباركاً لأحدهم ولادة حفيد:
قد سما محمود في أخلاقه
ولذا سر بأحفاد كرامِ
وتراني قلت في تأريخه
المسرات لغسان بسامي
وإذا حسبنا قيم الحروف بعد كلمة تاريخه، بحساب الجمل، سيكون العدد 1986م وهو تأريخ الولادة التي صار بها للممدوح أحفاد.
وللشاعر أيضاً في تأريخ حج لأحدهم:
ومن طاف بالبيت العتيق تيمناً
فلا شك أن العفو واللطف شامله
ومذ عاد محمود من الحج أرخوا «ففي حجه للبيت زادت فضائله»
وإذا أعطينا الحروف قيمتها الحسابية وفقاً لحساب الجُمل سيكون التاريخ 1987م وهو العام الذي حج فيه المؤرخ له.
** **
دمشيت - طنطا - مصر - عضو اتحاد كتاب مصر