يقاس تاريخ الأمم بالمدد الزمنية، أما الناس فمقياس تأريخهم بالأعمال والأفعال وليس بالحناجر والأقوال، فكم من زعماء جلسوا على مقاعد الحكم وذهبوا وذهبت سيرتهم أدراج الرياح رغم بقائهم على هذه المقاعد عشرات السنين، ولكن المحصلة صفر وربما بالسالب، فلا هم أبقوا أوطانهم على ما كانت عليه ولا هم طوروا منها، بل وضعوها في غيابة الجب، فدمروا حاضرها وأفسدوا مستقبلها.
كانت المملكة على موعدٍ لميلاد قائدٍ جديدٍ من قادتها، مجددٌ ومصلحٌ لحاضرها ومستقبلها، ففي الحادي والثلاثين من أغسطس عام 1985م ولد محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وكأي طفل مثله عاش حياته وسط أقرانه وبرعاية أبويه، وحين التحق بمراحل الدراسة كان اللقاء الأول بيننا، سألت عنه فقالوا: ولد سلمان، قلت أمير الرياض قالوا نعم. بدأت أتتبع خطواته، وألاحظ أعماله، وجدته مختلفاً عن باقي الطلاب، فهو قائدهم، إن كان وقت الدرس فهو المستمع والمحاور والمناقش، وإن كان وقت اللعب فهو القائد والحكم العادل، وخلال سنوات الدراسة كان يحفظه الله شعلة من النشاط، وأخاً للجميع، مساعداً لهم معلمين وطلاباً، ما أذكر أن أحداً طلب منه شيئاً وقصّر معه، بل تجده دائماً سعيداً بتحقيق الطلب، ومتابعاً له.
وتمر السنوات سريعاً ويلتحق قائدنا بركب خريجي الجامعات، وكما حقق التفوق في الثانوية العامة، كان التفوق حليفاً له في الجامعة، ويعين قائدنا في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي، ثم مستشاراً خاصاً لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض آنذاك.
تولى سلمان بن عبد العزيز ولاية العهد وأصبح قائدنا مستشاراً خاصاً ومشرفاً على المكتب والشؤون الخاصة لولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
صدر أمرٌ ملكي بتعيينه رئيساً لديوان سمو ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير، ثم أضيف له منصب المشرف العام على مكتب وزير الدفاع إلى جانب مهام أعماله السابقة. ثم صدر الأمر الملكي الكريم بتعيينه وزيراً للدولة عضواً في مجلس الوزراء السعودي بالإضافة إلى أعماله الأخرى.
تولّى سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة العربية السعودية في 23 يناير 2015، فأصدر أمراً ملكياً يقضي بتولّي محمد بن سلمان وزارة الدفاع بالإضافة إلى تعيينه رئيساً للديوان الملكي ومستشاراً خاصاً للملك، ثم أتبعه بأمر ملكي آخر يقضي بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة محمد بن سلمان.
في 21 يونيو عام 2017م، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمراً ملكيّاً باختيار محمد بن سلمان وليّاً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيراً للدفاع. وأصبح يرأس مجلسي «الشؤون الاقتصادية والتنمية»، و»الشؤون السياسية والأمنية».
وخلال خمس سنوات من ولاية العهد، استطاع الأمير محمدبن سلمان أن يضع بصمة واضحة له في تاريخ المملكة وأثراً باقياً إلى يوم الدين، ولم نسمع في يوم من الأيام أن قال أنا عملت كذا وكذا، ولكن العمل الجماعي، والقيادة النشطة، والتخطيط. فانطلاقاً من رؤية المملكة 2030 تم التخطيط لكل شيء بدقة وبراعة في خطة مرنة لها أهداف ومعايير ومؤشرات أداء، استطاعت هذه الخطة أن تتجاوز بالمملكة الكثير من العقبات، ظهر كوفيد19، فكان إغلاق المملكة على نفسها وتوفير التطعيمات لكل الأفراد من مواطنين ومقيمين حلاً لها لم تقم به كبريات الدول.
وعلى الصعيد الخارجي، استمرت المملكة في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، وتبوأت أعلى المراكز في كافة الاتجاهات اقتصادية والمؤشرات الدولية المعتمدة وكذلك التعليمية والطبية ...إلخ
وفي الداخل تغيرت صورة المجتمع السعودي تماماً، أصبح مجتمعاً مفعماً بالحيوية والشباب ولعل صورة استقبال فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية لسمو ولي العهد والوفد المرافق له خير دليل على ذلك. وحين كان الغرب يندد بحقوق المرأة في المملكة كانت المرأة تنطلق بكل قوة في كافة الميادين فأصبحت سفيرة ووزيرة ولاعبة ولسيارتها قائدة.
إن التاريخ سيذكر أن في فترة من فتراته العديدة استطاع شاب قوي الشكيمة مليء بالعزيمة أن يغير وجه الجزيرة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ويخرجها من حال إلى أفضل حال، وأن يصبح نداء الكثير من المجتمعات الغربية والعربية: نريد مثل محمد بن سلمان حاكما لناً. فعلاً: ستعجز النساء أن يلدن مثلك يا أبا سلمان.