خالد بن حمد المالك
في أسبوع واحد فقدت زميلين عزيزين، كانا معي سنداً في بداية صدور صحيفة الجزيرة من أسبوعية إلى يومية، كانا لهما تأثيرهما ضمن كوكبة من الزملاء الذين كان لكلٍّ منهم حصته في النجاح الذي ما زال حديث المتابعين إلى اليوم.
* *
كانا على حُسن خلق، وتعامُل كريم، وعمل لا يكلان منه، وحماس لا ينقطع من أجل أن تظل صحيفة الجزيرة بالصدارة، وكانا قدوة مع غيرهما لغيرها في الحرص على أن تكون الجزيرة متفوقة، وناجحة، وأن يُقاس نجاح الصحافة من خلال الاسترشاد بها.
* *
كلام كثير، يمكن أن يُقال عنهما، عن تميُّزهما، عن الروح الوثابة التي كانت طبيعتهما في القيام بما هو موكول إليهما من أعمال صحفية، كلٌّ حسب طبيعة عمله، واهتمامه، وتخصصه؛ ما ساعد الجزيرة لتكون في الموقع الصحيح للصحافة الناجحة.
* *
لا يمكن أن يُذكر الرموز الذين مروا على صحيفة الجزيرة - وما أكثرهم - دون أن نتذكَّر هذين الاسمين الكبيرين اللذين قدما عطاءات وإنجازات صحفية ستظل حاضرة بالذهن لصيقة بالتاريخ، أحد شواهد النجاح الذي كانت عليه الجزيرة آنذاك.
* *
هذان الاسمان هما الأستاذ علوي طه الصافي المحرر المسؤول عن الشأن الثقافي بالجزيرة، قدَّم صفحاتٍ ثقافية حية ونشطة ومتفاعلة مع الحراك الأدبي والثقافي؛ ما أهَّله لينتقل من الجزيرة ليكون رئيساً لتحرير مجلة الفيصل، انطلاقاً من تميُّز الصفحات الثقافية في صحيفة الجزيرة التي كانت من فكره وصنعه وإبداعه.
* *
كانت صفحات الجزيرة الثقافية مثار جدل وحوارات ومناقشات، وفيها من التنوع الشيء الكثير، وقد حمل فقيدنا علوي الصافي حمل هذا الجهد الثقافي الخلاق من خلال ثقافته الواسعة، واتساع أفقه وانفتاحه على كل التيارات.
* *
فقيدنا الغالي الثاني الأستاذ صالح العوين، كان المصحح اللغوي، الحريص على خلو مواد الصحيفة من أي أخطاء طباعية وإملائية ولغوية، بحرص كبير لا يسمح بأن يتسامح عن أي خطأ أو هفوة حتى ولو اضطر إلى تأخير مواعيد إنجاز أعداد الصحيفة للطباعة.
* *
كان لا يشغله شاغلٌ عن عمله، فلا يقضيه في الاجتماعات الجانبية، والأحاديث مع الآخرين فيما ليس له علاقة بعمله، وكان حين ظهور الجزيرة بلا أخطاء، أو بأقل أخطاء يجد نفسه وكأن إنجازاً قد حققه، وتميُّزًا بالعمل قد قيل عنه.
* *
توفيا - رحمهما الله - ولم أعلم عن مرضهما، ولا عن وفاتهما إلا متأخرًا، فصدمني ما حدث، لكنها سُنَّة الله في خلقه، - وإن عجزت عن كتم حزني وجزعي -، لأنهما كان رفيقا درب في بدايات صدور الجزيرة يوميًا، وضمن عدد من الزملاء الكبار الذين رسموا معي خارطة مستقبل الجزيرة، منهم من مات - رحمهم الله - ومنهم من أقعده المرض - شفاهم الله - وبينهم مَن هم في كامل صحتهم وعافيتهم - أدامها الله -، وهكذا هي الحياة رحلة قصيرة لا نعرف بأي أرض وفي أي زمان ستكون لحظة الوداع.
* *
عزائي لأسرة الزميلين الصديقين، وأسأل الله أن يتغمدهما بواسع رحمته ورضوانه، ويلهم أسرتيهما ومحبيهما الصبر والسلوان.