يبدو أنّ الشغل الشاغل في مواقع التواصل الاجتماعي هو الحدث السعودي الأبرز الذي حظي بإعجاب واسع بين المغردين والمدوّنين، تلك اللحظة التي كسر فيها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بروتوكول تحيّة الحرس الرئاسي بإلقاء تحية الإسلام بدلاً من التحية المشهورة «مرحباً عسكر»!
تاريخ كسر البروتوكولات طويل وعريض.. لكنه يثير التساؤلات.. ويُرسل إشارات بعيدة المدى إذا كانت دولة الضيف تلعب دوراً محورياً مهماً وتعدّ ركيزة أساسية لتحقيق نجاح الملفّات الدوليّة، كالمملكة العربية السعودية!
في 21 من هذا الشهر.. بدأ وليّ العهد جولة إقليمية امتدّت لثلاثة أيام زار فيها جمهورية مصر ومملكة الأردن واختتمها بتركيا، وفي مصر بدأت أولى محطات كسر البروتوكول تعبيراً عن الأهمية البالغة والتقارب غير المسبوق بين مصر والسعودية، إذ كان من المفترض أن يقف الرئيس المصري على مسافة من الطائرة حتى يصل إليه وليّ العهد بالصالة الرسمية لاستقبال الضيوف، لكنّ الأوّل فضّل قطع المسافةِ مشياً حتى استقبل وليّ العهد عند السلّم، باعثاً رسالةً أخوية ناهيك عن كونها رسالة سياسية بحتة للباحثين عن الإثارة في العلاقات بين السعودية ومصر، مؤكداً على أنّ المملكة ورجالاتها يتحلّون بمكانة استثنائية لدى مصر الشقيقة، الأمر الذي يؤكّده وليّ العهد بتوقيع اتفاقيات قاربت 40 مليار دولار أمريكي في مصر!
وفي تركيا.. شهدت الزيارة الحدث الأبرز على الإطلاق، حيث كسر وليّ العهد بروتوكول تحية الحرس الرئاسي بـ»السلام عليكم» بدلاً من التحية المتعارف عليها رسمياً «مرحباً عسكر»، دون انحناء كبقية رؤساء الدول، ليؤكد الأمير الشاب أنّ رسالة السلام.. تبدأ بتحية الإسلام، وأنّ السلام الحقيقيّ يأتي من مبدأ قوة لا ضعف، فلا انحناءات ولا مجاملات في هذه الرسائل البليغة!
ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر.. فتاريخ كسر البروتوكولات بات مقترناً باسم المملكة في مختلف الدول، فهذه ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية.. تستقبل وليّ العهد السعودي في القصر الملكي، كأسرةً كلّ البروتوكولات التي لا تستقبل فيها إلا رؤساء الدول في القصر عينه، وقد سبق ذلك تزيين شوارع لندن بصور وليّ العهد وعبارات حملت عناوين الإصلاحات التي أدخلها في حياة السعوديين، وهو شيء لم يتمتّع به إلا القلة من رؤساء الدول من قبل.
وفي سلطنة عمان.. يكسر السلطان هيثم بن طارق جميع بروتوكولات استقبال الوفود الرسمية، ليكون بنفسه على رأس مستقبلي الأمير محمد بن سلمان عند سلّم الطائرة، دلالةً على عمق العلاقة بين البلدين الشقيقين.
وفي أمريكا.. الدولة العُظمى التي تتحوّل فيها المبادرات مهما كانت بسيطة إلى إشارات سياسية واسعة، استقبل دونالد ترامب -الرئيس الأمريكي السابق- الأمير محمد بن سلمان ليبدأ سلسلة متتالية من كسر البروتوكولات في تلك الزيارة، أولها كان السماح للصحفيين حضور اللقاء حيث لا يُسمح بذلك إلا إذا كان اللقاء بين الرئيس الأمريكي وقادة الدول الضيف، ومن المفترض أن يكون اللقاء قصيراً، لكنه تحوّل إلى مأدبة غداء في (الصالة العائلية) بالبيت الأبيض، دلالةً على التقارب الكبير بين الدولتين، ليمتدّ كسر البروتوكول وصولاً إلى جولة بالبيت الأبيض لم يُعدّ لها، ولم تكن ضمن الجدول.
كلّ البروتوكولات التي تمّ كسرها من أجل ولي العهد حفظه الله، وجدت تفاعلاً واسعاً في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، لكنها لم تحظ بالتفاعل الذي أحدثهُ الأمير محمد عندما كسر بروتوكول تحية العسكر، لماذا؟ لأنّ أهمية المملكة ضيفاً أم مُضيفاً هو المعيار الحقيقيّ لأهمية الحدث!
** **
- سارا علي القرني