الهادي التليلي
من الأسس التي يرتكز عليها التمشّي الدبلوماسي هي الخط البرغماتي المصلحي واقتناص اللحظة الهاربة من التاريخ وتحويلها إلى فرصة سانحة للتهديف وهذا التمشي يحتاج إلى حكمة ورشد عميقين لأن تحويل اللحظة إلى حدث فاعل ومؤثر في العالم والتاريخ مسألة ليست في متناول أي كان.
وعندما نتأمل الجولات المكوكية للدبلوماسية السعودية مؤخرًا والتي كان على رأس الفاعلون فيها ولي العهد وملهم شباب العالم محمد بن سلمان بن عبدالعزيز استعدادا للقمة المرتقبة في يوليو والتي ستحتضنها المملكة العربية السعودية بحضور جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وعبدالفتاح السيسي الرئيس المصري وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى ملك الأردن ورئيس وزراء العراق.
القمة التي تحتضنها السعودية التي اعتادت على التميز في التنظيم والإعجاز في النجاحات ستكون محط أنظار كل العالم ومختلف المتدخلين والمؤثرين في المشهد الجيوسياسي العالمي حيث إن المكانة التي تحتلها السعودية في الساحة العالمية إضافة إلى قوتها على مستوى الطاقة وعلى مستوى القوة الاقتصادية تجعل من القمة واعدة بنجاحات ومواقف مرتقبة حتى قبل بدايتها.
والقمة المرتقبة يراهن العالم أجمع على نجاحاتها نظراً للمشهد الراهن المتوتر نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ومخلفاتها الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الرفاه الأمريكي والأوروبي على حد السواء الأمر الذي جعل بعض المحللين يرى بأن دولة صناعية مثل ألمانيا تأخرت اقتصاديات أكثر من عشر سنوات في ظرف لم يتجاوز الأشهر القليلة نتيجة نقص الطاقة من غاز وبترول نتيجة الإقفال الروسي عن أوروبا.
لهذا وغيره كان الحرص من أعلى مستوى مجسدا في جهود ولي العهد الذي قام بجولة مكوكية غاية في الدقة والتميز كانت ناسجة لخط توافقي يعكس نضج الدبلوماسية البراغماتية التي تجيد اقتناص اللحظة التاريخية وتسعى للتأثير في التاريخ والفعل فيه فالعناوين الرئيسية البترول والغاز والموقف المنسجم لأوبك + والعنوان العميق هو شرق أوسط جديد منسجم المواقف قوى مهاب فاعل يعوض العالم عن السقوط السريع والتهاوي اللامتوقع لقاطرة أوروبا العجوز التي تحولت من الفاعل في العالم إلى المنفعل من آثاره ولعل آثار كورونا زيادة على تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية جعلت التاريخ يعيد إنتاج نفسه من خلال إعادة توزيع القوى في المشهد الجيوسياسي الجديد حيث إن ما بعد يوليو لن تكون السعودية والشرق الأوسط مجرد أرقام وأسماء في مساحة العالم الثالث وهذا قدر الكبار.