رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
هذه العضلة المرنة داخل الفم قد تبث المشاعر الرقيقة بمحيطها والكلام المعسول وتساعد في صناعة رصيد من الود والمحبة وتنسج العلاقات وتروض النفوس القريبة، وقد تقوم بدور السحر الحلال وتجعل صاحبها محاطاً بهالة من المحبين وربما المعجبين إذا كانت تقدح بالواقع الإيجابي ويشع منها الفرح والمرح بروح الحكمة والأدب ولا تتجاوز تلك العضلة (اللسان) الخطوط الحمراء..
فهنيئاً لمن استطاع أن يعمل فلترة لها فلا تبوح إلا بكل مفيد وممتع وتتوقف عن التجريح والغيبة.. ومنظومة السخط والسقط الكلامي.
في المقابل هناك (لسان) يعاني من سلبية بالحكمة وعدم كبح جماح تلك العضلة فتقدح من رأس متسرع بإصدار أحكام عاجلة بكل ما لا يعجبها أو يختلف معها قبل التروي وقراءة الموقف وعدم تقدير البعد الذي قد يقع على الطرف الآخر إنسانياً واجتماعياً.. قدح خارج إطار النقد البناء.. قد يحمل التجريح وإفرازات أخرى وكأنه لم يسمع (قل خيراً أو اصمت) وإذا كان القادح من عالم المشاهير.. فتدور تلك (القدحة) مع قطار الركبان الذي لا يتوقف.. وقد تضخم وتسمن من آخرين وتؤل مقاصدها.. ولسان حالها.. جنت براقش على نفسها.
في عالم (البكم) عافاهم الله تتعطل لغة القدح فيبقون في منأى عن سلبياته إلا بلغة الإشارة ولكنها لا تحمل ذلك الوهج، أما في عالمنا فيبقى اللسان شعرة معاوية ومن يرسم عنك صورة اجتماعية أمام الآخرين.
ومن يقرأ أدبنا العربي فنجد بعض الشعراء عرف بقدحه بالهجاء أو الفخر بقومه والقدح بالآخرين.. وربما حملت القدحة السلبية في العصر الجاهلي إلى إثارة الحروب والنزاعات لاسيما إذا حملت انتقاصاً من مكانة القبيلة الاجتماعية.. فقدحة الرأس (السلبية) أحيانا أشبه برصاصة كلامية (لا تقتل) لكن تدوش وتبقي جرحاً غائراً قد لا يندمل.
كل ما سبق لا يتعارض مع نشر ثقافة العفو والتسامح والتغافل قدر الإمكان.. لكن النيابة العامة أحسنت صنعاً عندما شرعت الضوابط التي تحمي المتهورين من قدحهم للآخرين ولا سيما ونحن أمام سيل جارف من عالم الاتصال والتواصل والحسابات الشخصية حفظاً لكرامة الإنسان.. ورياضياً وإعلامياً هناك لجان انضباط ترصد كل تجاوزات كلامية فتطبق عليها الغرامات والعقوبات المناسبة فجميل أن نهذب لغة التخاطب والحوار ونرتقي بها للأفضل.. ويبقى دور المدرسة (التربوي) أكثر تأثيراً في نشر ثقافة الحوار وتقبل الآخر.