رعى الله الشيخ حمد الجاسر فهو بحق موسوعة علمية، ودائرة معرفية، حينما تبحث عن علامة الجزيرة تجده في التعليم والقضاء والصحافة والتأليف والتاريخ والجغرافيا والنسب والأدب ولا ريب فهو بنو سعد، وفي كل واد بنو سعد، كتب عليه شآبيب الرحمة والغفران كتابة أخاذة جميلة خلابة عن مؤرّخي نجد، ونص على أنهم من أهلها، فصاغ عنوان الكتاب على النسق التالي: (مؤرّخو نجد من أهلها) والكتاب صادر عن مركزه الثقافي الميمون الفكرة والطالع، وأصل الكتاب مقالات نشرت في كل من مجلة (العرب) وصحيفة (الرياض) و(اليمامة) ومحاضرات ألقاها في جامعة الملك سعود ثم نشرت في مجلة الجامعة) بدأ الكتاب بمقدمة وافية نافعة جادت بها يد المركز المعطاءة، وفيها إشارة أن الكتاب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: تحدث فيه عن مؤرّخي نجد من أبنائها حتى زمانه، وهؤلاء المؤرخون تحدث عنهم الشيخ - عليه رحمة الله - بإيجاز غير مخل وقد أراد من وراء قصده هذا تسهيل وتيسير سبل البحث والتحصيل على طلاب العلم ومريديه، فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ثم إن فكرة المركز كانت موفقة في جمع هذه المقالات والمحاضرات بين دفتي كتاب حفظ من عوادي الأيام وصوارف الدهر أضف إلى ذلك تيسير سبل التعلم والتحصيل لمريدي المعرفة وعودة على بدء فأهم هؤلاء الأعلام من المؤرّخين النجديين أو المعاصرين للشيخ حمد رتبهم على النسق التالي: عثمان بن بشر احمد بن بسام، وأحمد المنقور، وابن يوسف، وابن عضيب، وابن غنام، ومحمد البسام، وابن سلوم، وابن خنين،وابن لعبون، وابن سند،وابن جريس، وابن حميد، وضاري بن فهيد الرشيدي، وإبراهيم بن عيسى، وابن جريس، وابن حميد، وضاري بن فهيد الرشيد وإبراهيم بن عيسى، وابن مطلق، وعبد الله بن محمد البسام، وإبراهيم بن محمد القاضي، وإبراهيم بن ضويان، وسليمان بن صالح الدخيل، ومقبل الذكير، ومحمد العلي العبيد، وصالح بن عثمان القاضي، ومحمد بن عبدالله بن حميد، صاحب كتاب (السحب الوابلة) - رحمهم الله أجمعين.
القسم الثاني: دراسة نقدية نادرة جميلة لكتاب (النجم اللامع للنوادر جامع) للمؤرّخ الشيخ محمد العلي العبيد - رحمه الله - يعرض فيه الشيخ حياة المؤلف ويترجم ترجمة وافية مبيناً جهود علماء عنيزة في التاريخ، وقد ازدان الكتاب بهذه الدراسة وارتفعت قيمته. كان الشيخ يمعن في صياغة حقائق الكتاب ويستعرض معلوماته مذيلا ذلك بهوامش ثرية ذهبية
فيها إقناع وإتحاف عرف عن الشيخ أنه كان يلقب في حياته بهمداني الجزيرة العربية على وجه التمازج لنماذج والتشابه والتقارب بينه وبين علامة اليمن أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب الكتب الثلاثة الرائدة: (الإكليل) و(الجوهرتين) و(صفة جزيرة العرب ومن تمعن الكتاب بعين الإنصاف أدرك أن الشيخ حمد الجاسر وصل إلى أعلى ذروة سنام أدب ونسب ولغة وجغرافية وتاريخ وقبائل ومواضع الجزيرة العربية وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد، ذكر الشيخ حمد الجاسر في مجمع اللغة العربية بمصر فزكاة عميد الأدب العربي - طه حسين - بقوله: (إذا قال الشيخ حمد الجاسر قولاً في موضع من مواضع الجزيرة العربية فالقول قوله وهو أعلم بها منا).
ومن تأمل وتنظر مقالات الكتاب ومداخل الأبحاث ومخارجها يرى بعين البصير، ويستنير بذائقة اللبيب على ذاكرة الشيخ المتوهجة المتوقدة والتي تفوق الأجهزة الحاسوبية الذكية، كما تتضح له سمة هامة من سمات الشيخ لا تخفى على متصفح لكتبه وهي الصبر والجلد في قراءة الكتب واستقطاب الفوائد والفرائد منها، ثم تصاغ المعلومة من قلم الشيخ - عليه وابل الغفران - بذوق أدبي راق، وحس علمي عال.
ولا تسل أبها القارئ الكريم عن أسلوب الشيخ السهل الممتنع، فهو فصيح اللغة، سليم التراكيب، بليغ العبارة أفكاره متسلسلة تنأي عن البعثرة والتكلف إلا من استطراد واضح ملح فرضته سعة العلم وعمق المعرفة، والاستطراد سمة ظاهرة عند الشيخ في كتبه عامة صغيرها وكبيرها.
وكتب الشيخ عليه عفو الرحمن تلقاها كل من يريد العلم والمعرفة والأدب والتاريخ والحق والحقيقة وقد شابها الشيخ بخلقين اثنين عظيمين وهما: الأدب والتواضع فهامته في التسعين وهمته في العشرين، حكمة الشيوخ وهمة الشباب:
سهري لتنقيح العلوم ألذلي
من وصل غانيه وطيب عناق
وتما يلي طربا لحل عويصة
أحلى وأشهى من مداراة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أبيت سهران الدجي
وتبيته يوما وتريد بعد ذلك لحاقي
وكتاب (مؤرّخو نجد من أهلها) قد ملأه علامة الجزيرة فوائد نفيسة حري بكل طالب علم ومريد للحقيقة أن يقف عندها ويتأملها، وأثناء قراءتي للكتاب سنحت منها فوائد جمة، فأصوغها لك - أيها القارئ الطلعة - علها تحظى بقبس من رضاك وإعجابك ووقتك وما هذه المقالات الا صورة صادقة تصف علاقات الشيخ حمد الجاسر - عليه شآبيب العفو والرضوان - برجالات ومثقفي الجزيرة العربية.
- يظهر الكتاب حرص الشيخ حمد على الدقة الشديدة، والأمانة العلمية في نقل النصوص.
- استهلاله جميلة لأولى مقالات الكتاب تحكي روعة قلم الشيخ وذلك حين يقول: (يقولون: إن أسعد الشعوب هو الشعب الذي لا تاريخ له) ويعقب بقوله: (ويقصدون الشعب الذي لم تحدث في حياته حوادث تستحق عناية المؤرخين، ولكن هذا القول لا ينطبق على سكان نجد.....
فلقد كان هذا الجزء مسرحا لكثير من الحوادث منذ أقدم عصور تاريخ التاريخ).
عناية المؤرخين بتاريخ نجد كانت ضعيفة، ويرجع هذا إلى أسباب منها:
1- تاريخ الأمة العربية لم يدون إلا بعد ظهور الإسلام وذلك في القرن الثاني الهجري.
2- جل المؤرخين عنوا بتسجيل ما له صلة بالحكومات تقربة منها، وأهملوا ما عدا ذلك.
3- لولا الأزرقي وأبو غسان شيخ ابن شبة وابن زبالة والطبري والفارسي والسمهودي وأمثال هؤلاء لضاع تاريخ الحجاز، لأن عدم نبوغ علماء في أي قطر من الأقطار البعيدة عن مراكز الحكومات، ممن يعنون بتدوين تاريخ قطرهم في العهود الماضية، من الأسباب التي تجعل تاريخ هذا القطر مجهولا كحالة نجد.
- ناصر خسرو علوي اخترق نجداً في منتصف القرن الخامس الهجري ووصف الجهل فيها.
- المصادر العامة للتاريخ العربي فيها مادة غزيرة تحكي ما كانت عليه نجد في العهود.
السابقة للإسلام.
- بدء تدوين تاريخ نجد لم يكن معروفاً قبل القرن الحادي عشر.
- حواشي الشيخ تظهر براعته في الإقناع كما تنبئ عن ثقته بنفسه ودقة تقصيه.
- تاريخ الشيخ حسين بن غنام - عليه رحمة الله - (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال
الإمام في آخرة بتر واضح.
- رأي الشيخ في السجع اللغوي يقول عن تاريخ ابن غنام (وقد جرى ابن غنام في كتابة
تاريخه هذا على طريقة حاول أن يظهر براعته اللغوية فكتبه مسجوعاً مملاً).
- نقد الشيخ لما يكتب عنه ليس من باب السخط بقدر ما هو من باب تقرير الحقيقة.
- ثناء الشيخ حمد على صديقه وتربه الشيخ محمد بن عثمان القاضي - رحمهما الله - فمما
جاء في ترجمته (هو الصديق الشيخ محمد بن عثمان بن صالح القاضي ولد سنة 1346في بيت علم ودين فوالده وجده من مشاهير علماء نجد، ولن أتبسط في ترجمته خشية من طغيان العاطفة فهو أخي وصديقي ....... .
- طبع كتاب (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين) للشيخ محمد القاضي عام 1400هـ، كان قد جمع مادته قبل عشرين سنة من طبعة، نص على هذا في مقدمة الكتاب.
- الشيخ محمد بن عثمان القاضي - عليه رحمة الله - له كتاب يُسمى: «ملتقطات ما تشتت
من الشوارد في جمع نفائس الفوائد».
- يرى الشيخ حمد أن كتاب النجم اللامع من أوفى ما كتب في أخبار البادية.
- إعجاب الشيخ حمد الجاسر بكلمة للشيخ عبدالعزيز التويجري وردت في كتاب السراة الليل هتف الصباح) وجاء فيها: (وتعجبني بهذه المناسبة كلمة الأستاذ جليل تصدى لتدوين سيرة الإمام عبدالعزيز وما جرى بينه وبين بعض مناوئيه، .... فيا ليت كل من اتجه التدوين حوادث أمتنا وبلادنا يسير على هذا النهج الحميد ......)
وبعد:
فكتب علامة الجزيرة العربية وعلامتها تعلم العقل قبل الأدب، فالشيخ عليه وابل الرحمات يغلب عليه العقل المصقول، والحكمة الحاضرة، وقوة ونصاعة الدليل والبرهان أضف إلى ذلك الأصالة والمعاصرة التي تظهر في إبداع الشيخ ولا أدل على هذا من من دليل يستحضر ويذكر غير «مجلة العرب» وكتب الشيخ ودراساته وتحقيقاته وأبحاثه فهي كالعلم في شموخه وكالطود في بروزه، ويبقى وسيبقى - همداني جزيرة العرب الجاسري- تراثاً وتاريخاً وأدباً وفكراً وإبداعاً - رحمه الله رحمة الأبرار.
** **
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى
تأليف: علامة الجزيرة العربية وعلامتها
حمد الجاسر - عليه رحمة الله وغفرانه -
إصدارات مركز حمد الجاسر الثقافي
الطبعة الأولى 1436هـ/2015م
hanan.alsaif@hotmail.com