كتب محمد الخازم، وهو خبير المشهدين التعليمي والصحي في المملكة، «شغفٌ هتان» ليضعه سيرة مهنية فحسب، لكنها مختلفة. فالخازم الذي سبق أن رسم رؤيته لـ «جامعة 2030»، وسارع إلى «اختراق البرج العاجي للتعليم العالي»، وهو كتابه الذائع الذي نال عليه جائزة الثقافة عام 2012م، يسلط الضوء في كتابه هذا على جزء مغمور من سيرته، أكاديميًّا وإداريًّا منذ عقدين وأكثر، تاركًا وراءه الخوض في أجزاء أخرى لا تقل أهميةً لم يدونها عن كل الحراك الفكري والثقافي في سيرته عن مرحلة تنموية مهمة، وهو الذي كان في أتونها مرافقًا لتطور المشهد التعليمي والرعاية الصحية في المملكة، ومشرفًا على برامج الممارسين الصحيين المبتعثين خارجها في دولتين مهمتين ومتفوقتين، هما الولايات المتحدة وكندا. أظن هذا التغافل سؤال كل قارئ حين يفرغ من كتابه هذا، حتى ليخيل لي أنه إنما كتبه لزميل مهنة ناشئ شغوف، يشاركه سيرة متعرجة بين معالم كبرى يفهم تحولاتها جيدًا!
ولعله أراد أن يقول لكثير ممن عرفه منظِّرًا فكرياً، أنه إلى جانب ذلك، صاحب تجربة عملية عريضة وثرية، صارع فيها البيروقراطية غالبًا ومغلوبًا، وقدم فيها مبادرات بديعة، ومنجزات قائمة تشهد له في الأماكن التي عبرتها سنين مهنته.
«شغف هتان» سيرة لطيفة ورشيقة، سردها خفيف الظل، مجانب للتكلّف في العرض والظهور، عن إنسان دافئ متواضع ودمث، وضع فكره ومبادراته على مذبح البيروقراطية، ولم يتردد أن يفكر أو أن يكتب بصوت عالٍ، ولا أن يغادر بكل تفاؤل أيضًا من مهمة إلى أخرى، من أجل شغفه الذي ألزمه بترك أثر نافع وراءه في كل مكان مرَّ فيه. الكتاب توثيق لجوانب وإنجازات مشرقة، تحقق منها ما تحقق، بحسب الخازم، بفضل الحظ تارة، وبفضل التشجيع وتعاون الزملاء تارة أخرى، دون أن يغض الطرف عن الإشادة بهم وبذكرياتهم، وهو أمر متسق مع روح الخازم وأسلوبه القيادي، ومع تواضعه الذي يعرفه به كل من عرفه، وإلا فإن الوظيفة العامة محفوفة بالتحديات، مستطيلة دهاليزها في كل اتجاه، يتجاذبها التنافس والرؤى المختلفة، وكلها أمور فوق الحظ، ولا يقوم لها إلا ذو حظ عظيم في الحكمة والقدرة والمراس، قادر على معالجة الملفات الشائكة، وعلى تجسيد الأفكار الصغيرة إلى قصص نجاح مؤسسية مستدامة، وهي أمور لا يخلو منها الخازم المتواضع، المهني والإداري العتيق!
* كتاب «شغف هتان» صدر عن دار تكوين ويقع في 246 صفحة من الحجم الصغير.