صبحي شبانة
حظيت جولة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى كل من مصر والأردن وتركيا باهتمام عالمي واسع خصوصا أنها جاءت قبيل القمة العربية الأمريكية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويحضرها الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي 15 و16 من شهر يوليو المقبل ويشارك فيها كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي وقادة وزعماء دول الخليج والملك عبدالله الثاني ملك الأردن ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، تأتي هذه القمة لتبرهن على النجاح الكبير الذي حققته الدبلوماسية السعودية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أثبت أنه رجل دولة استثنائي، وسياسي محنك من طراز نادر قادر على مواجهة التحديات بصلابة وصلادة لم نعهدها في أحد من الزعماء.
جاءت جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي بدأها بالقاهرة في ظل تقاطعات وتجاذبات فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية وألقت بتداعياتها على المنطقتين العربية والشرق أوسطية والتي تمثل فيها كل من مصر والسعودية ركيزة أساسية للأمن والأمان، وتشكل الدولتان عنصرا مهما في حفظ التوازن الإقليمي والاستقرار العالمي، يخطئ من يرى غير ذلك.
الحديث عن العلاقات السعودية المصرية في مثل هذه الزيارات المتبادلة بات مألوفا ومعتادا وينهل كثيرا من الماضي وهو عميق ومتجذر وزاخر ولا يمل منه، لأن ما يحمله التاريخ لنا وهو طويل لم نستطع ان نتعرف منه على سوى النزر اليسير وهو قلبل جدا، فالمؤكد ان العلاقات بين الشعبين على هذه الجغرافية التي تسيح على شاطئي البحر الأحمر تحمل من الذكريات ما يفوق أعداد حبات الرمل المتناثرة على الجانبين، والتي تحمل كل ذرة منها فصلا كاملا من فصول التاريخ، فصولا من التآخي والتلاحم والتعاضد والتلاقح الإنساني والاجتماعي المتصل الذي لم ينقطع ولن ينقطع، فما ظنكم بتاريخ هذه البقعة من العالم الذي يتجاوز عمرها ملايين من السنوات ولم يتسن لنا أن نتعرف على ألفي سنة منه فقط على أقصى تقدير!!!، أليست هذه الأرض هي أرض الحضارات والأنبياء والرسل؟، فمن فوقها سطعت نور الأديان على مر التاريخ، ومن باطنها خرج الخير الذي عم البشرية كلها، وربما قد يكون من المناسب في هذا التوقيت الفاصل من التاريخ الإنساني إنشاء متحف للحضارة الإنسانية يكون مقره المنطقة بين نيوم وشرم الشيخ لتعريف العالم بتاريخ هذه المنطقة وما أسدته للإنسانية عبر ملايين السنين.
ان زيارة ولي العهد إلى القاهرة جاءت بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الى المملكة واستقبله خلالها بحفاوة في العاصمة الرياض خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وهو ما يشير الى استمرار التشاور بين القيادات في البلدين لما يخدم مصالح الأمة العربية، ويبعث برسائل قوية الى قوى إقليمية ودولية ظنت في لحظة ما أنها قادرة على الهيمنة على مقدرات هذه الأمة لكنها غفلت أن بها زعماء أفذاذا من طراز نادر بمقدورهم إن شاءوا أن يغيروا في المعادلات الدولية، بلى بها قيادات تدرك أهمية المرحلة التاريخية، وأهمية التموضع السياسي في ظل اختلال التوازنات الدولية الذي أعقب الاعتلال الأمريكي المدوي والعاجز، والتأهب الصيني الروسي الذي يتهيأ لقيادة العالم الجديد.
في يقيني ان اللقاء بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والأمير محمد بن سلمان في القاهرة وضع اللمسات النهائية لخارطة طريق للأمة بأسرها، تلك الخارطة التي يعمل عليها خبراء من الجانبين لديهم إلمام واطلاع واسع بالتحديات التي تجابهنا، والحلول الممكنة الآنية والمستقبلية للعبور الناجح من هذه المرحلة التاريخية العاصفة التي ألقت بتداعياتها الاقتصادية والسياسية والصحية ومن ثم الاجتماعية على العالم بأسره الذي مافتئ يتعافى من كوفيد 19، إلا وانزلق جزء منه في حرب بين روسيا وأوكرانيا مرشحة لأن تكون حربا عالمية ثالثة لا ندري على أي وضع ستنتهي.
دائما وأبدا يترقب الشعب المصري وينظر الى زيارة خادم الحرمين الشريفين أو ولي العهد الى مصر أنها تحمل الخير والأمل والتفاؤل بغد مشرق ومستقبل مضيء، فهي ليست مجرد زيارة رئيس أو ملك فهي أكثر وأكبر من ذلك بكثير، ولم يحمل التاريخ أن جموع الشعب المصري قد خرجت لتحية زعيم او ملك بقدر ما خرجت لتحية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته التاريخية الى مصر عام 2016 أو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي يرى فيه الشعب المصري أمل الأمة العربية والإسلامية ومستقبلها.
من نافلة القول أن العلاقات المصرية السعودية تمر بأزهى فتراتها في ظل العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يُذَكر الشعب المصري دائما بالوقفة الكبيرة التي وقفتها المملكة الداعمة للشعب المصري إبان ثورة 30 يونيو 2013 والتي بفضلها استطاعت مصر أن تتجاوز تحدياتها وتداعيات الإرهاب الاخواني الذي كان يستهدف الإضرار بالأمة العربية وتفتيتها وبلقنتها لصالح ايران وقوى إقليمية أخرى كانت تستهدف السيطرة على الثروات العربية، إن السعودية ومصر تربطهما علاقات تاريخية طويلة، وتتشابه توجهاتهما إزاء كثير من القضايا الدولية والعربية والإقليمية والإسلامية، وهو الأمر الذي يرسم خارطة طريق واحدة إزاء معظم القضايا وتحقيق رؤية مشتركة لتجاوز الظروف بالغة الصعوبة التي يشهدها العالم كافة في ظل الضبابية وعدم وضوح الرؤية التي تخيم على العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
إن الدعم السعودي لمصر لم يقتصر على الدعم الاقتصادي وهو كبير ومقدر من مصر شعبا وحكومة ونخبا حيث قدمت المملكة دعما كبيرا للحفاظ على الاحتياطي الأجنبي لمصر في أعقاب 30 يونيو، وإبان جائحة كورونا، ومؤخرا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وبالإضافة للدعم الاقتصادي كان للدعم السياسي القول الفصل في نجاح ثورة الشعب المصري الذي يعيش ويعمل عدد كبير منه داخل بلدهم الثاني المملكة وينعمون بكل الخدمات التي ينعم بها المواطن السعودي سواء بسواء فلا فرق بين الإخوة المصريين والسعوديين.
إن العلاقات المصرية السعودية هي علاقات متجذرة بعمر الزمن، زاخرة بالمشتركات الاجتماعية والثقافية والتجارية والتاريخية جاء الإسلام قبل أكثر من 14 قرنا ليرسخها ويعضدها ويشكل منها أنموذجا لم تشهد له البشرية مثيلا، أنا أؤكد دائما على ان مصر والسعودية جغرافيا واحدة يفصل بينها البحر الأحمر يعيش عليها شعب واحد.