عبدالرحمن الحبيب
وجَّه كتاب جديد توبيخاً مهذباً للاقتصاديين أولئك المقتنعين بفكرة أن أفضل طريقة لإصلاح العوامل الخارجية المؤثرة سلباً على البيئة والمناخ مثل الكربون هي فرض ضرائب عالية عليها؛ لأنهم لم يفكروا في مرونة الطلب وإلى أي مدى تغير الأسعار السلوك. الحل، حسب الكتاب، لتغيير السلوك وحمل الناس على تحقيق القفزات الكبيرة اللازمة لخفض انبعاثات الكربون يتطلب بدلاً من رفع الرسوم تقديم «حوافز إيجابية شديدة للتغيير»..
الفكرة الأساسية في الكتاب هي «إن التحدي المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفر ليس متعلقًا بالميزانية والتكلفة في الأساس ولكنه هيكلي (بنائي).. لا بد من صياغة إجراءات تنفيذية قابلة للتطبيق لضمان حدوث الانتقال فعليًّا بدلًا من طريقة الاقتصاديين الذين هيمنوا على التفكير لوضع سياسات حل أزمة المناخ، خاصة أولئك الذين يريدون عادةً تحديد سعر للانبعاثات ثم ترك السوق يقوم بالعمل من تلقاء نفسه..»
الكتاب الجديد من تأليف الخبير الاقتصادي إريك لونيرغان وخبيرة المناخ كورين ساويرز.. عنوانه «Supercharge Me: Net Zero Faster» وهو عنوان غريب بعض الشيء لأن الكلمة الأولى تمثل مصطلحًا ابتكره المؤلفان ويمكن ترجمته بالشحن الفائق: صافي (انبعاثات) صفري أسرع، وقصدا به وضع إطار جديد لتسريع حلولنا لتغير المناخ. هذه الغرابة ليست جديدة فالمؤلف الأول سبق أن صدر له بالمشاركة قبل سنتين كتاب ذائع الصيت بعنوان عجيب دمج فيه كلمتي الاقتصاد مع الغضب: Angrynomics، وله كتابات عديدة عن الابتكارات في السياسة النقدية..
كيفية مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري هي محور الكتاب مع التركيز على كيفية تغيير السلوكيات على المستويات الفردية والوطنية والعالمية بالاستناد على علوم النفس والاقتصاد والسياسة. المؤلفان واضحان في وجهة نظرهما: «نحن بحاجة إلى تغيير الأعراف الاجتماعية. وإلا فإننا نضيع وقتنا». أما التركيز على زيادة التكلفة على الكربون فهي من وجهة نظر المؤلفين ليست أساسية لأن ضرائب الكربون من السهل شيطنتها وتشويه سمعتها بين الناس، إذ تميل الضرائب المرتفعة على الوقود، على سبيل المثال، إلى إثارة رد فعل سياسي عنيف ضد البيئة بينما هي لا تغير كثيرًا في انبعاثات النقل «فكر في السترات الصفراء الفرنسية» حسب الكتاب.
وثمة مشكلة أخرى هي أن هذه السياسة بطيئة في تحقيق النتائج، كان لدى بريطانيا أحد أعلى مستويات رسوم الوقود في العالم في العقود الأخيرة، لكن استحواذ السائقين على السيارات الكهربائية كان غير ملحوظ.. «فقد لا يغير تسعير الكربون وحده السلوك سريعًا في حالة عدم وجود بدائل واضحة، على سبيل المثال السيارات التي تعمل بالبنزين أو برجر اللحم البقري. الإغراءات الضعيفة لن تفيد: إذا كان سعر البرغر النباتي أقل بنسبة 3 في المائة فقط من البرجر العادي، فلن يغير أحد سلوكه، ولكن إذا كان سعره أرخص بنسبة 30 في المائة، فمن لا يجربه؟»
ينبغي، كما يقول المؤلفان، إعطاء الأولوية بلا هوادة للكهرباء الخضراء، والتي يمكن أن تقلل ما يصل إلى 75 في المائة من الانبعاثات، مثل عقود الطاقة ذات السعر الثابت في ألمانيا التي أدت إلى طفرة عالمية في الطاقة الشمسية.. والمثال الإيجابي في النرويج لإعفائها السيارات الكهربائية من ضريبة الطريق، وخفض رسوم وقوف السيارات إلى النصف (أكثر من 90 % من السيارات المباعة في البلاد تعمل بالكهرباء الآن).. إنه طريق أكثر قابلية للتطبيق من الناحية السياسية للقيام بذلك بدلًا من رفع سعر الكربون، حسب المؤلفَيْن..
صحيفة الإيكونيميست رغم ثنائها على الكتاب بشكل عام إلا أنها ترى أنه يبالغ في نقد تسعير الكربون، فالمؤلفان يثنيان على اعتماد بريطانيا لطاقة الرياح، لكنهما فشلا في ملاحظة الدور الذي لعبته «أرضية سعر الكربون»، وهو الحد الأدنى للضريبة المفروضة على مخطط تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، في الفترة الانتقالية.. إنهما يأسفان على «تعقيد» ضرائب الكربون، بينما يطالبان في الوقت نفسه بفرض ضرائب باهظة على الشركات الخضراء. لقد فشلا في ملاحظة نهج الاقتصاد السياسي المعيب المتضمن العديد من الأشياء المختلفة إلى حد الإفراط حسب رأي الصحيفة التي تضرب مثالًا: المؤلفان يطالبان البنوك المركزية بتقديم الدعم الأخضر، لكن لمن سيخضع البنك المركزي للمساءلة؟ وبمجرد التنازل عن مبدأ عدم تخصيص رأس المال للسياسة النقدية، ما الذي يمنع طرح مطالب أخرى عليها؟ وتخلص الصحيفة إلى أن تسعير الكربون بسيط وشفاف بالمقارنة مع ما يطرحه المؤلفان.
عموماً، الكتاب ليس تقنيًّا بمعنى الكلمة إذ تم تنظيمه بأسلوب الحوار بين المؤلفَين، حيث يجمع بين خبرة لونيرجان في الأسواق والاقتصاد وصناديق التمويل مع معرفة ساويرز الواسعة في المناخ والاستدامة وكيفية حدوث التغيير السلوكي. كما يقدم الكتاب مفهومًا جديدًا ويحفر مصطلحات جديدة أهمها «الشحن الفائق» آنف الذكر؛ ومصطلح «ملحمة» (EPICS): قاصدًا بها حوافز إيجابية شديدة للتغيير».. و»Mini-Musks» (رواد الأعمال). مفهوم الشحن الفائق حظي باهتمام أساسي تناوله الفصل الأول بعد مقدمة الكتاب التي تطرقت إلى «فشل العقل» في أزمة المناخ، ليعطي دفعة إيجابية مركزة في طريقة تنفيذ الإجراءات وليس الأهداف بدلًا من كم المعارف والأفكار المفيدة ولكنها «محبطة» حسب الكتاب.