ازداد الضعف الدراسي في العقدين السالفين مع تطور التقنيات والاتصالات والتطبيقات الدراسية والتعليمية، وكان الأولى أن يقل، فأضحينا الآن نرى بعض طلاب الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية لا يتقنون حتى مهارات الحد الأدنى من لغتي الجميلة كالقراءة والكتابة والإملاء والتعبير، فيشتكي من ضعفهم وعدم تعاون أسرهم معلموهم لكنهم في آخر العام ينجحون بفعل فاعل لم ينزل من السماء! وفي العام التالي يبقون في ضعفهم يعمهون في ظرف عدم تعاون أسرهم المستمر وانشغالهم عنهم، فتزداد شكوى معلميهم الآخرين، لكنهم بعد استنفاد كل الطرق الممكنة لرفع مستواهم الدراسي يتفكرون في أمرهم فيرون أن نجاحهم أسلم، وأن النجاح يولد النجاح حسب نظريات التربية الحديثة، وأنهم قد يعانون من ظروف أسرية كالإهمال وغيره، وأنهم إذا أعادوا السنة سيكونون أكبر من زملائهم فيسبب ذلك لهم ولزملائهم مشكلات جمة، وأن إثبات رسوبهم يحتاج إلى تجميع كم كبير من أوراق العمل، وبيان إثبات الجهود المبذولة التي عملوها لرفع مستواهم خلال العام الدراسي، وأنهم إذا كبروا سيتعلمون وسيعوضون فاقدهم التعليمي، ولنرحمهم ونساعدهم ليرحمنا من في السماء؛ لذا تنجيحهم أسلم، والناجح لن يشتكي أو يسأل عنه أحد حسب زعمهم.
إن تنجيح طالب من أسرة مهملة، غير عابئة بالتعليم هو جناية عليه؛ لأنها تريد نجاحه فقط دون جهد أو تعاون منها، ولن يهمها استفادته أو إتقانه للمهارات فهي غير مدركة لعواقب ذلك، والأدهى والأمرُّ أن بعض معلميهم وبعض إدارات مدارسهم لا يرغبون حتى بإدخالهم الدور الثاني، وكأن هدف التعليم وغايته أصبح تصفير الرسوب حسب رأيهم! وفي رأيي أنهم لن يتعلموا، ولن يعوضوا فاقدهم التعليمي إذا كبروا إلا من كان منهم له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ففاقد الشيء لا يعطيه.
أتساءل: لماذا تأخذنا العاطفة أو المجاملة في تنجيح طلاب صغار لا يتقنون حتى مهارات الحد الأدنى من لغتي الجميلة فما بالك بالمواد الأخرى؟ هل هذا في صالحهم، أو سينعكس إيجاباً في مراحل دراستهم اللاحقة ومستقبلهم؟ وهل هذا يتلاءم مع هدف من أهداف رؤية المملكة 2030 في التعليم: تنمية قدرات ومهارات الطلاب بمختلف المراحل التعليمية؟ أتذكر قبل أكثر من 25 سنة أن دخول الدور الثاني أو الرسوب أو إعادة السنة كان مقبولا من المجتمع ووزارة المعارف، حيث نجد في كل صف ثلاثة أو أكثر من المكملين أو الراسبين أو المعيدين، وكلنا نتذكر عبارة «لم ينجح أحد» حين ظهور نتائج اختبارات الوزارة المركزية في نظام الانتساب والتعليم الليلي. وكلنا يدرك مدى حرص وزارة التعليم في تقليل الرسوب والإكمال وإعادة السنة وخطواتها مثل: انتقال الراسب لسنته الدراسية التالية إذا كانت المادة ليست من مواد اللغة العربية أو الدين في جميع المراحل، وكذلك انتقال الطالب للصف التالي مع حمله بعض المواد وغيرها من الإجراءات التي تقلل الإكمال ذلك. وكلنا نعرف فداحة الخسائر التعليمية والتربوية والمادية والمعنوية للوزارة والمجتمع في تحمل تبعات ذلك، وأنه هدر للطاقات والجهود والأموال.
إن دخول الطالب غير المتقن لمهارات الحد الأدنى الدور الثاني، أو إعادته السنة الدراسية هو جرس إنذار وتنبيه له ولولي أمره أنه في خطر، وعليه مضاعفة الجهد بكل الطرق الممكنة بالتعاون مع أسرته ومدرسته. أنا هنا لا أدعو إلى تنجيح الطالب المقصر، ولا أشجع على دخول الدور الثاني أو إعادة السنة إلا إذا كان ذلك في مصلحته باعتبار ذلك أبغض الحلال في التعليم، وأن ذلك سيوقظه من سباته وسيكون دافعاً لتحسين مستواه الدراسي غالباً، وأن النجاح ليس تمراً سيأكله، وأنه لن يبلغ المجد حتى يلعق الصبرا. وهو تنبيه لولي أمره وأسرته بأن تعليم الطالب عملية مستمرة مستدامة، وأن استفادته هدف وغاية أهم من درجات وأرقام يزين بها شهادته. وإن نجاحه بغير جدارة لأي سبب هو فرحة عابرة له ولأسرته، وخسارة مؤجلة عليه، ولها تبعات لا تحمد عقباها له ولمجتمعه.
إن جودة التعليم هي من ترفع بلادنا إلى ذرى المجد في ظل رؤية 2030وليس أعداد الناجحين في آخر العام وأن نتيجة التعليم هي بالكيف وليس بالكم.
** **
- معلم