بدر بن عبدالمحسن المقحم
إن ما يدور على الساحة الدولية من أحداث وما يمر به العالم من تحولات سياسية وجيوبولتيكية، تشي باندلاع بعض الأزمات والحروب الإقليمية هنا وهناك كنتيجة مصاحبة لمخاض مولد عالم جديد له سمة الصراع المتعدد بين أكثر من قطب، والذي يكون أحد أدواته الرئيسية الاعتماد على وكلاء موثوقين لهذه الأقطاب لإحداث هذا التحول ووفق الخطط المرسومة بينهم، ففي هذه المرحلة نعيش بدايات حقيقية لحرب باردة جديدة ذات متغيرات ومعطيات تختلف عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يلاحظ أن درجة المواجهات فيها وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والاتحاد الروسي من جهة وجمهورية الصين الشعبية من جهة ثالثة ستكون أكثر حدة في مناطق معينة من العالم، مثل منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي على وجه التحديد، حيث ستسعى تلك الأطراف إلى تصدير خلافاتها ومواجهاتها العسكرية لأكثر من منطقة وتوظيف وكلائها لتنفيذ بعض المهام مقابل تقاسم الغنائم والنفوذ مستقبلا.
ما يهمنا في هذا المقام منطقة الخليج التي تعتبر المصدر الرئيسي للطاقة العالمية، وتتمتع بموقع استراتيجي على أهم خطوط الملاحية الدولية والمضائق البحرية، إلى جانب أنها سوق استهلاكي كبير لمختلف السلع الشرقية والغربية، وبالنظر إلى المشروع الإيراني وما يحمله من أهداف عقائدية وسياسية وفكرية واقتصادية وعنصرية ضد جيرانه، وكذلك الأطماع الصهيونية الممثلة في إسرائيل وخططها الرامية في ابتلاع المزيد من الأراضي والمياه الفلسطينية والعربية، نتيجة لأيديولوجيتها التوسعية بعيدة المدى ذات الخلفية التاريخية التلمودية المزيفة، إضافة إلى التطلعات التركية وتحركاتها العسكرية في عدة دول عربية؛ بهدف بسط النفوذ والهيمنة تحت ذريعة القضاء على حزب العمال الكردستاني تارة والدفاع عن مصالحه القومية تارة أخرى، فإنه أصبح لزاماً على مجلس التعاون الخليجي إعادة النظر في بعض مواقفه بما يتواكب من التحديات الراهنة والقدرة على مواجهتها، وذلك من خلال تفعيل هياكل المجلس ومؤسساته بهدف تعزيز الصف الخليجي، ورفع منسوب الوعي السياسي لدى شعوبه إزاء تلك المخاطر، والعمل على بناء المجتمعات الخليجية على أسس جديدة قوامها التكامل الاقتصادي والعسكري والصناعي والزراعي والتجاري بين دوله، وتطوير قوات درع الجزيرة لتصبح قوة ضاربة في المنطقة، وبما يضمن الوصول إلى تحقيق معادلة التوازن العسكري مع الدول الإقليمية الأخرى وحماية أقطاره من غوائل التدخلات الأجنبية.
إن التطورات الحالية والمتسارعة وخاصة في الملف النووي الإيراني وما يحمله من مخاطر عسكرية وبيئية ، واضطراب الأوضاع في الدول العربية القريبة منا وخاصة في سوريا ، والسعي الحثيث لملء الفراغ الروسي من جانب الحرس الثوري الإيراني في الأراضي السورية ، والتجاذبات السياسية بين عدة أطراف دولية تجاه العالم العربي يدل على أن هناك موجة من القلاقل قادمة وستزداد وتيرتها إذا لم تتخذ الخطوات العملية لمواجهتها، فالتوتر الحاصل على الحدود الأردنية - السورية جراء الوجود الإيراني على تلك الحدود، واستمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية وما آلت إليه العلاقات الغربية وبالذات الأمريكية منها مع الجانب الروسي بسبب هذه الأزمة، وتصاعد التوتر الأمريكي - الصيني في بحر الصين الجنوبي وانعكاسات ذلك سلبا على منطقتنا، يشير إلى أن هناك جولة من المواجهات بين هذه الأطراف الثلاثة في الأرض العربية وبالأخص الخليجي منها قد تصل إلى الصدام العسكري والتسبب في قيام حرب إقليمية جديدة تؤسس لحرب باردة جديدة بين الأطراف الثلاثة المنوه عنهم آنفا يكون أحد عناوينها العريضة الحرب على الإرهاب، من خلال تحريك عناصر داعش وميليشياته المسلحة لزعزعة أمن المنطقة ثم دخول ما يسمى (محور المقاومة بزعامة إيران) على الخط لمساندة هذه القوى الإرهابية لخلط الأوراق وبث الفوضى في المنطقة وافتعال حرب بين إيران وإسرائيل تحت مبرر الدفاع عن النفس، بهدف جر دول الخليج لحرب حقيقية مع إيران يكون أحد أهدافها الرئيسية استنزاف هذه الدول ماليا وعسكريا وتنمويا، ولتظهر إسرائيل في هذه المرحلة بأنها هي مفتاح السلام في المنطقة وأن غيرها هو من يهدد المنطقة وأمنها ولتمهد لنفسها تنفيذ أجندتها الخفية واختراق الأمن القومي العربي بهدف العمل على تقويضه مع أطراف دولية أخرى. وصدق من قال (إذا أردت السلام فاستعد للحرب).