الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعتبر صلة الرحم صفة من صفات المؤمنين، ولها فضائل جمةُ تعود على صاحبها بالنفع في الدنيا والآخرة، كما تعد من أفضل مايتقرب به العبد إلى الله عز وجل، وقد ربط الله سبحانه وتعالى بين صلة الرحم، والبركة في الوقت، والرزق،وجعلها سبباً لهما.
ويمتلك غالبية الناس على هذه الأرض عائلة وأقارب فيما يعرف بالرحم،ولكن مع توافر مواقع التواصل الاجتماعي استغنى البعض عن الزيارة والمشاهدة بل وأحياناً عن المكالمة، واكتفى بالتهنئة والتبريك عبر الرسائل فقط.
"الجزيرة" استطلعت آراء شرائح من المجتمع حول أثر ذلك على الكيانات الأسرية، وكيفية تعزيز المنهج الإسلامي النبيل في صلة الرحم الصحيحة،فماذا قالوا؟
صدقة وصلة
بداية يبين الشيخ سعود بن زيد المانع خطيب جامع الأمير سلمان بمحافظة الدلم، أن المقصود بالأرحام جميع القرابات وأعظمهم وأهمهم الوالدان، فعقوقهما قطيعة للرحم وعقوق للوالدين، ثم يلي ذلك مَن دونهما من الأجداد والجدات والأولاد وأولاد الأولاد، ثم الإخوة وبنوهم، ثم العمومة وبنوهم، ثم الأخوال والخالات إلى آخر..، قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}.
وصلة الرحم في ذلك من رضا الله وعظيم الأجر وسعة الرزق ما فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، وفي الرجل الذي قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك، أما إذا كنت إذا وصلوك وصلتهم، وإن قطعوك قطعتهم، فهذا ليس بصلة، لأن الرحم، والقرابة لها حق فيجب أن تصلهم، وإن قطعوك، وتحسن إليهم، وإن أساءوا إليك ترد عليهم السلام، وتبدؤهم بالسلام، تدعوهم للوليمة وتجيب دعوتهم، وتزور مريضهم وكبيرهم وتعين المحتاج منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصَّدقةُ على المسْكينِ صدقةٌ، وعلى ذي القرابةِ اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ.
ولو قطعك بعض الأقارب لأجل وحشة بينك وبينهم، أو شحناء، أوخصومات لايجوز أن تقطعهم أنت، لكن لو هجرتهم لا يجوز أن تزيد على ثلاثة أيام فقط عند النزاع، والخصومات لأجل حظ الدنيا، لا يجوز أن تزيد على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا هجرة فوق ثلاث.
فالواجب أن يصله بعد الثلاث، ويعود على حاله الأولى بعد الثلاث، ولا يهجر فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فخير المتهاجرين الذي يبدأ بالسلام، وليس الواصل بالمكافئ؛ لأن بعض الناس إذا ما وصله أقاربه فهو لا يصلهم يقول: لا يصلونني، ولا يزورونني، فلا بواصلهم فهذا خطأ كبير لا يجوز. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها هذا هو الواصل الذي يؤجر، وكذلك يقول صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: يارسول الله، إن لي قرابة أصلهم، ويقطعونني، وأحلم عليهم، ويجهلون عليّ، وأحسن إليهم، ويسيئون إليّ، قال: لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم الملّ، ولا يزال معك من الله عليهم ظهير ما دمت على ذلك فالله -جل وعلا- يعينه عليهم ما دام على حاله الطيبة، ويكون بهذا هو الواصل وهم القاطعون.
فالواجب أن يصله بعد الثلاث، ويعود على حاله الأولى بعد الثلاث، ولا يهجر فوق ثلاث، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فخير المتهاجرين الذي يبدأ بالسلام.
تقصير وخلل
ويشدد الشيخ سعود المانع على أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، قال سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ , أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع رحم، وهذا وعيد عظيم.
وصلة الرحم تكون بالزيارة وهي المتعينة لمن كان قريباً وتيسرله ذلك، وتكون بالمهاتفة إذا لم تتيسر الزيارة والمكاتبة لمن لم يتيسر له الزيارة والمهاتفة ومن الملاحظ أن بعض الناس هداهم الله مع قربهم وتيسر أمرهم حتى في المناسبات الشرعية التي شرع الله فيها التواصل كالأعياد وحفلات الزواج ونحوها يكتفي برسالة ربما تكون معدة من قبل يرسلها للجميع دون تفرقة بين رحم وغيره ودون تفريق بين درجات القرابة، وهذا تقصير وخلل وقطيعة، وله آثار سلبية في المدى البعيد في علاقة الأسرة والقرابة وأولادهم؛ فينشؤون على القطيعة وعدم الصلة وعدم إعطاء الأقارب حقوقهم ومعرفة قدرهم ومنزلتهم.
علموا أبناءكم
ويقول الأستاذ/ خالد بن سليمان المشيقح مدير جمعية العوق البصري ببريدة أن المولى عز وجل أمر بصلة الرحم لأنها صورة من صور طاعة الله سبحانه وتعالى، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة، كما إنها من المحاسن التي ورد الأمر بها في ديننا الإسلامي الحنيف، وذلك لعظم مكانتها ومنزلتها في ترابط الأفراد وتراحمهم وتآلفهم، ولعظم أجرها وفضلها.
وأنه لحري بالآباء والأمهات تعليم أبنائهم أن للأعمام والأخوال والإخوة حقوقاً عليهم، لاينبغي التقصير في تأديتها، وعلموهم أن لهم حقوقاً واحتراماً حتى لو بدر منهم أو بعضهم ما يغضبكم أو يضر بمصالحكم، مشيراً إلى أنه من المؤسف حينما يكون هناك قطيعة للرحم، وأن التواصل لو تم يكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالواتس أب وغيرها، ولهم حق وعليك واجب الاتصال والتبريك أو التهنئة.
كما أنه ينبغي تعليم الأولاد على أن قطيعة الرحم ليست بعدم التواصل والزيارات، بل بالمنازعات والشكاوى والوصول للمحاكم والإساءة للأعمام والأخوال وأبنائهم، وبقية أقاربهم، مع التوكيد عليهم بالتغاضي والتغافل تجاه أخطاء وإساءة الأقارب، والآباء والأمهات قدوة لهم يتعلمون منهم وحينما يشاهدون عمل الخير والبر يقتدون به إن شاء الله، والعكس حينما يشاهدون البعد والجفاء يتلبسون به.
عبادة عظيمة
ويوضح المهندس محمد بن جابر السهلي المستشار ورجل الأعمال في الشؤون البحرية والمشاريع الزراعية: أن صلة الرحم عبادة عظيمة محببة إلى الله اشتق لها الله سبحانه وتعالى من اسمه الرحمن، الإسلام دين لحمة واجتماع وتآلف فيحث على العناية بالأبوين والبر بهما خاصة عند الكبر ولا يقصر على ذلك بل يأمر بصلة أصولهم وفروعهم من الإخوة والأخوات والأعمام والأخوال.
وحذر سبحانه وتعالى من قطيعة الرحم وجعلها قرينة الإفساد المذموم في الأرض قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، بل ربط القطيعة بالإفساد والتولي عن البر، وعن أبي هريرة, عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: "خَلَقَ اللّهُ الخَلْقَ, فَلَمَّا فَرغ مِنْهُمْ تَعَلَّقَتِ الرَّحِمُ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقالَ مَهْ: فَقالَتْ: هَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ, قالَ: أَفمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ, وَأصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قالَتْ: نَعَمْ, قالَ: فَذلكِ لَكِ".
ويشير المهندس السهلي إلى أن صلة الأرحام خلق كريم واعتراف بالفضل وتوقير للكبير ورحمة بالصغير تورث المحبة وتزيل الأحقاد والضغائن وتؤلف القلوب ومدعاة لقبول النصح والإرشاد والتواصي بالحق، فيها تفقد لحاجة ذوي القربى ورأب للصدع والخلل فيما قد ينشأ من خلاف بصلة الرحم يقوى الضعيف ويستغني المحتاج وتسود العلاقات الطيبة بين الأرحام ويتحقق رضا الرحمن جل وعلا، والواصل لرحمه سعيد في حياته موفق في عمله مبارك له في رزقه يطيل الله له ويمد في أجله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
التنشئة الاجتماعية
وترى الأستاذة هياء بنت مشاري الشهراني مشرفة الجودة وقياس الأداء بمحافظة بيشة أن صلة الرحم موضوع كبير ومهم جداً كونه أصبح في دائرة ضيقة في حدود المناسبات عند البعض مع الرغم من التطور الحاصل في كل الأمور من وسائل تواصل ومواصلات، ولكنني أرى إن أحد الأسباب قد يعود لهذا الجيل إلى (التنشئة المجتمعية)، مما يجعلنا أن نطرح التساؤل.. هل تعودوا على زيارة الرحم منذ طفولتهم، وهل تم التوضيح لهم لما تتم الزيارة وأنها صلة رحم ولا تحتاج لوجود أسباب كالمرض أو الأعياد أو غيرها، بل لأن لها فضلاً عظيماً سواءً في وجود الوالدين على قيد الحياة أو بعد موتهم.
جحود الأبناء
وتشير الأستاذة حميدة بنت معزي الخالدي المعلمة التربوية بالجوف إلى أن صلة الرحم وبر الوالدين أصبحت كلمات تسطر على وسائل التواصل الاجتماعي كلمات تُقرأ ويتفاعل معها الآخر والوالدان يئنان من فرط الأسى وجحود الأبناء الذي قد لا يعرف والديه وأقاربه سوى برسالة جوالية، وربما في المناسبات الاجتماعية المتباعدة والأدهى من هذا مايسمى بيوم الأم.!!، كل هذه الأمور مجتمعة تهدد كيان الأسرة وتساعد على نأي الأسرة الواحدة والأقارب مما ينعكس على تمزق العلاقات الاجتماعية ويتساهل الكثير منا بصلة رحمه فيعتاد القطيعة لتصبح أمراً معتاداً لا تدخل بحرام أوحلال.
والأبناء الذين نأوا عن والديهم واكتفوا برسالة أوزيارة موسمية هو كذلك سيعاني من جحود أبنائه يوماً ما إنما بعد فوات الأوان.
وتضيف الخالدي قائلة: بعض الاجتماعيين ممن هم أصحاب هوى يرجح جزء من بر الوالدين تعود لسطوة الآباء على الأبناء وليس فيها شيء من البر، ويكفينا من لزم وحرص على بر الوالدين وصلة الرحم لزمه إشعاع روحي وصفاء نفسي لا يكدر له صفو ولا يعكر له مزاج فهو تحت سيطرة مشاعره وأفكاره فيعيش التوافق النفسي والاجتماعي؛ فضلاً أنها عبادة ليس قبلها إلا توحيد الله، فتكون مطمئن النفس مؤدياً لواجباتك مع الله ثم الوالدين
ومجتمعك الذي ينظر لك نظرة إجلال وإكبار،كما أن الجلوس الدائم مع الآباء والأقارب سيما كبار السن تمنح الواحد منا حكمة وتجربه تصقل عقله وتستقيم بصيرته.
خلل كامل
وتؤكد الأستاذة سارة بنت فهد العويسي مشرفة نظام المقررات ومنسقة المقررات الإلكترونية المعيارية في إدارة الإشراف التربوي في المدينة المنورة:
إن صلة الرحم قربى عظيمة، واليوم غدت زيارات رسمية ولقاء للأنس وتبادل الحكايات. وهذا وإن كان حسناً غير أنه مع مرور الزمن باتت تفقد رونقها وأنسها، وهذا يدل على خلل كامن، حيث إن صلة الرحم تتجاوز حدود الزيارات والجلسات، وتفقد أحوال الأقارب، وتلمس احتياجاتهم والتفطن لهم.
وأشارت سارة العويسي أنه في عصر هيمنت قنوات التواصل أصبح كل شيء رقمياً: اللعب، التواصل، الصداقة، حتى صلة الأرحام غدت نكهات صناعية خالية من روح المودة والرحمة.
رسائل وعبارات متداولة
أو أحاديث فيديو مقتضبة
لاصلة حقيقية إلا بتبادل الزيارات والحديث الودي المقترن بالنظرات واللمسات الحانية؛ فالإسلام سنّ المصافحة وعند زيارة المريض وضع اليد على الرأس مع الدعاء بالشفاء، ومع أن قنوات التواصل نعمة لمن فرقتهم الأوطان وليس الجدار والكيلو مترات؛ فاغتنموا صحتكم بوصل من له حق عليكم ليصلكم من لكم حق عليهم.