«الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
لا تغيب شمس المعرفة والثقافة عن الجوف. ضيفنا في هذا العدد من مثقفي (محافظة طبرجل) وهو الباحث الأستاذ: خالد بن هزيل الدبوس الشراري، أحد أبرز كُتَّاب المحافظة اللافتة من حيث تجربة البحث وحركة التأليف.
«الثقافية» قامت بزيارة خاصة لمتحف وصالون «ثلوثية الدبوس»، وأجرت هذا الحوار مع مُؤسسه الباحث: (خالد هزيل الشراري)، لتسليط الضوء على فكرة واهتمامات وأنشطة الثلوثية الأدبية، والمتحف التراثي؛ بما ضمّن من النوادر السعودية ووثّق عبر ركن خاص للمسيرة التنموية والنهضة للمحافظة والمنطقة عامة.
ربما كان يؤمّل وقد جعل انتخابه بعضًا من «جيل الرُّواد» والشخصيات من الأَعلَام المبرّزين، ما كان حصيلته أبحاث ومؤلفات صَـوُبْ المنطقة الرؤوم والمحافظة؛ التي لم ينسها مبرّة بوالده وبها فأصدر (من صبيحا.. إلى الدمام) ليظفر جيل الأبناء، وفرة وتنوع المؤلفات. وربما كانت يود تقديم رسالة (وَصْلٌ وَمُوَاصَلة)، ركائب وركب الرُّواد تحليقًا بأمجاد أثيريّة، وتجديفًا بعوالم مكنوزة وأجنحة متينة أنبتتها سواعد جيل مُقْبِل نحو عوالم الثقافة الرحيبة، تستقرئ الإبداع، وتنشر وثائقه، بلغة ثقافية وطنية معززة، وتعتز من كتسبات تاريخنا ومقدراته الوطنية وصولًا إلى المنزلة الرفيعة المستحقة بين الأمم وسائر الحضارات.
في هذه الزيارة، أصخنا أسماعنا لحسيس المخطوطات ونحو نبض الفكر الجائل في أوساط بحبوحة مشتبكة الفيئات، منعّمة بكتب نادرة، وجنائن من عيون التراث والأدب العربي قديمه وحديثه، سادرين نقف قبالتها، مُنْمسِّينَ مُشاهدين وشَاهدين، ما تحمله أضاميم روفوفها من عناوين كتب: الحضارة والتاريخ وعلوم الدين والعلوم الطبيعية وكتب السِّير والأَعلَام والشعراء ودواوين الشعر والسرد والمؤلفات الفكرية والنقدية وغيرها.
* أوّل كتاب اشتريته (ملخص التاريخ الإسلامي)
# بداية.. حدثنا عن فكرة إنشاء المكتبة ومتى بدأت؟
بدأت تراودني فكرة إنشاء مكتبة حين كنت في السنة الثالثة عشرة من عمري، وكان أول كتاب اشتريته «ملخص التاريخ الإسلامي»، للمؤلف مطلق بن بادي العتيبي، الذي طُبع عام الأولى 1394 هـ، ومن هنا بدأت أجمع الكتب أي من عام 1402 هـ وأنا بالصف الثاني متوسط، وكنت أحب الروايات ومنها (ربيع في الرماد) و(صهيل الجواد الأبيض) للكاتب القاص والأديب الأستاذ/ زكريا تامر، و(أطياف الأزقة المهجورة – العدامة – الشميسي - الكراديب) للكاتب د. تركي الحمد.بعدها بدأت بالروايات الخيالية وخاصة مؤلفات الكاتب الخيالي جداً (أدان براون) ومنها (الرمز المفقود).،وغيرها من الروايات التي كانت تأخذني وتستهويني.
# هل تحرص على حضور معارض الكتاب؟ وما هي أبرز القضايا والمواقف الطريفة - إن كانت واجهتك - خلال رحلة جمعك أو البحث عن بعض الكتب؟
نعم أحرص بشدة على حضور أغلب معارض الكتاب الدولية التي تقام داخل المملكة ودول الخليج وكذلك الدول العربية ومنها الأردن وسوريا.
وقد حصل لي بعض المواقف الطريفة خلال السنوات التي حرصت فيها على الوصول لمعارض الكتب المحلية والعربية، وإن كان لا تسعفني الذاكرة، ولكن حضرني موقف لا أعلم هل يعد طريفًا أم مُحرِجًا بعض الشيء، وهو عندما كنت في معرض الكتاب في عمان، وكنت أسير مستندًا على عربة الكتب حوالي (7 أو 8) ساعات؛ نسير ونجوب أروقة معرض الكتاب في الأردن حتى أرهقت جدًا ولم أستطع الوقوف، ولما جاء وقت صلاة المغرب والعشاء على أساس إني أجمع الصلاتين لعلة السفر، جلست لأصلي قاعدًا من شدة التعب، فقال لي: صديقي الذي رافقني حرام عليك؟.. قلت له لماذا ويش صار؟.. قال لك (7 ساعات) تلف في المعرض بين الكتب؛ ولما جيت عند الله تصلي جلست المفروض إنك تصلي واقفا.
* أهتم بكتب الجاسر وابن جنيدل والرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة
# من هم أبرز كُتاب التاريخ الذين قرأت لهم؟
بدأت القراءة في التاريخ، وخاصة قراءة أمهات الكتب في التاريخ الحديث والقديم، وكتب الرحالة الغربيين وخاصة من زاروا منطقة الجوف، وكذلك قرأت بعض مؤلفات وكتب (حمد الجاسر) و(سعد بن جنيدل) خاصة أنهم زاروا منطقة الجوف في التسعينات الهجرية. وكان الفضل بعد الله في ذلك للأستاذ والباحث سليمان الأفنس الشراري في تسهيل طرق البحث التاريخي.
# متى بدأت التأليف وما أول مؤلفاتك؟
البداية كانت منذ زمن، ولكن خروجها للنور ونشرها بدأ مع صدور أول كتاب لي؛ وهو (ولاء شعراء - عام 1428 هـ) وبعدها صدر (الزيتون بالجوف – عام 1438 هـ) ثم (سليمان الأفنس في عيون محبية – عام 1442 هـ) و(الصحابي الجليل دحية الكلبي – عام 1442 هـ) و(من صبيحاء الى.. الدمام – عام 1443 هـ). وهناك عدد من الكتب بدأت في مسوداتها وأعمل على استكمالها، فالكتابة التاريخية تستهويني، وفي القريب انتهي من كتاب أعده مهما للمكتبة التاريخية.
# متى بدأت فكرة إنشاء متحف تراثي وما الهدف من الفكرة؟
ربما عشقي للتاريخ، جعلني اتعلق بالأشياء التراثية، على الرغم من أني حقيقة لا أذكر بداية الفكرة لإنشاء المتحف التراثي، لكني بدأت أجمع بعض الأجهزة القديمة عندنا في البيت مثل التلفزيون والمسجل والراديو القديم وبعض من الأواني المنزلية وبعض من العملة السعودية النادرة والقديمة من الورقية أو المعدنية، وبعض الوثائق الخاصة بالعائلة.
هكذا بدأت أعد لإنشاء المتحف، وفي عام 1419 هـ، بدأت أجمع في غرفة في منزلي هذه الأغراض حتى تكون لدي شيء قديم وبدأت أذهب إلى المزارات في داخل أو خارج المملكة إلى أن تم افتتاح هذا المتحف على يد والدي حفظه الله عام 1438 هـ تقريبًا. وقد تشرفت بزيارة بعض الأدباء والمثقفين من المنطقة وخارجها، كما قام عدد من الدعاة والباحثين والكتاب بزيارة خاصة تلك الفترة، إضافة للزيارات التي قام بها بعض طلاب مدارس المحافظة وبعض الجامعيين «جامعة الجوف» فرع طبرجل.
# كيف جاءت فكرة إنشاء «الثلوثية» ومتى بدأت، والهدف منها؟
«الثلوثية» كانت فكرة تراودني منذ أن أتيت إلى محافظة طبرجل عام 1418هـ. ولكن كان ضيق المنزل عطلني عن تنزيلها أرض الواقع، وبعد أن انتقالي إلى بيتي الجديد بدأت استعد لها.
فبدأت محاضرات وندوات «الثلوثية» تنظم دوريًا بالفعل بداية من شهر يناير 2020 م، حيث تعقد مرة واحدة كل آخر ثلاثاء من الشهر الميلادي، واستمرت لمدة شهرين، ثم توقفت نتيجة جائحة كورونا، بعدها عدنا مرة أخرى، في ديسمبر 2021 م، وما زلنا مستمرين في إقامة أنشطة وبرامج الصالون بإذن الله.
وتهدف «الثلوثية» إلى تحريك الحراك الثقافي والأدبي والتاريخي في منطقة الجوف عامة، ومحافظة طبرجل خاصة، إذ نحاول - قدر المستطاع - جلب الضيف سواء من المنطقة أو خارجها، ونطرح الموضوع قبله بأسبوع لكي يطلع عليه الزائر ويكون على استعداد للمناقشة بعد انتهاء الندوة.
* أول صالون أدبي في طبرجل أنشأه الأديب سليمان الأفنس
# ما رؤيتك حول منطقة الجوف من حيث جانبها الأدبي وحالتها الثقافية؟
هناك جهود مشكورة تبذل، والنادي الأدبي يحاول أن يوجد نوعا من الفعاليات الأدبية، ولكن أتمنى أن يعود الحراك الثقافي والأدبي الذي كانت تتميز به محافظة طبرجل، فيكفي أن أذكر لك أن أول صالون أدبي تم إنشاؤه في منطقة الجوف عام 1407هـ، كان في طبرجل، للأستاذ والأديب سليمان الأفنس رحمه الله، ولقد كانت فترة رئاسة الأستاذ والأديب «عبدالرحمن بن إسماعيل الدرعان» للنادي الأدبي بمنطقة الجوف فترة مميزة، وكان وجود الدكتور «حامد بن ضافي الشراري» عضو مجلس الشورى سابقًا، حينما كان عضوًا بالنادي الأدبي؛ فترة لا تنسى في التاريخ الثقافي للمنطقة، فقد أنشأوا لجاناً ثقافية في محافظات المنطقة وفَعّلُـوهَا، لقد كانت فكرة لها مردودها على الساحة الأدبية بالمنطقة، وأتت ثمارها، وجاء الأستاذ «إبراهيم الحميد» رئيس النادي الأدبي بمنطقة الجوف سابقًا، وأحسن تفعيل هذه اللجان فترة رئاسته للنادي، ووظفها جيدًا؛ فكان لذلك مردوده الواضح على الحالة الثقافية بالمنطقة لا تخطئه عين.. ولذا أتمنى أن تعود فكرة «اللجان الثقافية» إلى عهد بدايتها وبقوة ودعم منهم لتساعد في إيجاد الحراك الثقافي المنشود في ربوع محافظات منطقتنا المحبة للثقافة والثّرية بالمثقفين. أرجو أن يكون هناك التفاتة من «النادي الأدبي» بالجوف ومركز «عبدالرحمن السديري» الثقافي، إذ يمثلان المرجع الثقافي والأدبي في المنطقة.
# كيف ترى وضع الأديب في منطقة الجوف وهل يتوفر له ظروف مناسبة لعطاء الإبداع؟
يجب الاهتمام بالأديب والباحث والمفكر في منطقة الجوف، من ناحية الدعم المادي، والمعنوي، والتكريم له؛ لأن ذلك يسهم كثيرًا في إثراء روح الثقافة والفكر والإبداع، كما يجب أن يكون هناك متحف في كل محافظة من محافظات المنطقة التي هي أعلم بتراثها وتاريخها، إضافة لتكثيف الاهتمام والعناية بالمناطق الأثرية بالمنطقة وليس تسجيلها وتركها لعوامل التعرية كونها ثروة تاريخية كبيرة يجب الحفاظ عليها وتنميتها.
وختامًا: إن كانت المساحات الحوارية تضيق بأعراف الورق فإنها تتسع نحوكم - مثقفي وقراء الثقافية - وجيل قادم،
مثلما اتّسَعت نحوه تستجلي مقامات الوعي. بالشكر مثلما كان البدء مسك الختام (شكرًا / خالد بن هزيل الدبوس الشراري) على الجهود الشخصية والمحاولات البسوليّة المتعددة مراحل من عمرك - أطال الله في عمرك - لإتمام منجزاتك البحثية وأنشطتك المنبرية في سبيل رفد الثقافة الوطنية، إذ كانت صنعت وجعلت رهانك «مُرتكزات الوعي» واستشراف تاريخ المنطقة ومستقبلها الثقافي.