سالم بركات العرياني
يعد فريدريك نيتشه أحد أهم الفلاسفة الألمان على مر العصور، إنه فيلسوف القوة الأول وإعجابه بالرجل العظيم ما بعده إعجاب، والرجل العظيم في مفهوم نيتشة ليس ذلك الفاتح الذي يجوب الأمصار وإنما الرجل الذي يفضل الموت على البقاء ويعد تأثير شوبنهاور على نيتشة واضحا جليا في شبابه فقد كان الفيلسوف الشاب ميالا للعزلة وللتشاؤم وكان في طفولته حينما يقرأ الإنجيل تسيل دموعه على خديه حتى لقد استحق لقب (القسيس الصغير) وقد لفتت كتب نيتشه الأولى الأنظار اليه وبدا أن هذا الفيلسوف واللغوي المتميز يملك خطابا جديدا في الفلسفة الحديثة وهو معتد بنفسه كثيرا وتكاد تكون فلسفة نيتشه هي الفلسفة الملائمة لذلك العصر ناهيك عن القول إن نيتشه كان متأثرا بالأخلاق الاسبارطية التي تمجد القوة وكان متأثرا إلى حد كبير بقائد الوحدة في ألمانيا بسمارك. لقد عاش نيتشه يمجد أخلاق القوة ويعلي من شأنها ويميزها عن أخلاق العبيد كما يوصفها هو بذلك وكان في عداء كامل وقطيعة شبه كاملة مع المسيحية التي كانت تمثل الانحطاط في نظر نيتشه والسبب في ذلك أن المسيحية تدعو إلى الشفقة والرحمة وهي أخلاق في منتهى الانحطاط كما يرى نيتشه.
كثيرون هم الذين استغلوا فلسفة نيتشة أسوأ استغلال وأولهم النازيون الذين دعوا لقومية المانيه ومجدوا الجنس الآري واتبعوا أساليب القمع والتخويف في نشر مبادئهم في ألمانيا. غير أن نيتشه يرفض كل ذلك فقد اعتبر ملهما لمدارس مابعد الحداثة والوجودية وهو يرفض الاشتراكية والمسيحية الميتافيزيقية وكان ممهدا لعلم النفس.
ليس بين كبار المفكرين والشعراء والفلاسفة من كان أشد جرأة وكبرياء من فريدريك نيتشه فقد أراد هذا الرجل أن يهدم كل مبادئ الرحمة وأن يبشر في حماسة وشبه جنون بعقيدة القوة وأن المجتمع القائم على تمجيد القوة هو أفضل مجتمع يمكن أن تصدر عنه أفضل حضارة.
يعد فريدريك نيتشه ممهدا لظهور الوجودية وهي الاعتقاد بأن الحياة ليس لها معنى وبأن الإنسان كالريشة في مهب الريح تعبث به الأقدار كيفما شاءت إضافة إلى رفض كل القيم الأخلاقية والدينية فقد كان نيتشه فيلسوفا عدميا.
من أشهر مؤلفات فريدريك نيتشه (مولد التراجيديا) و(شوبنهاور مربيا) علما بأنه لام الجامعات الألمانية على نبذهم لشوبنهاور فنبذوه هو الآخر و(أفول الأصنام) إضافة إلى كتابه الخالد ( هكذا تكلم زرادشت) الذي يعد أحد أهم وأشهر كتب فريدريك نيتشه التي نستطيع من خلالها تذوق شاعرية نيتشه وفك طلاسم فلسفته.
ما بين كآبة الطفولة وكآبة الشيخوخة فقد اعترض فريدريك نيتشه على المسيحية لأنها تمثل ما أسماه (أخلاق العبيد) وقد ترك الخطاب النيتشوي أثره في كل أوروبا وكان على العالم أن يحبس أنفاسه عند كل كتاب جديد يصدر للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي بدأ حياته أستاذا لفقه اللغة في بازل ولعله أدرك وقتها سر مرضه العضال الذي أصيب به والذي أودى به بعد ذلك للجنون.