د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
كان من توفيق الله ونعمه عليّ أن دعيت يوم الخميس 17/ 11/ 1443هـ، الموافق 16/ 06/ 2022م إلى حفل تدشين الموسوعة العلمية الضخمة، معجم العباب الزاخر واللباب الفاخر، للحسن بن محمد بن الحسن الصغاني (ت650هـ).
عرفت هذا العمل الجليل أول مرة في القاهرة سنة 1978م وكنت أدرس في جامعة القاهرة فاشتريت ما وجدته من أجزائه، وظل الأمل في استكماله طوال السنوات، والحمد لله أن أمهلني لأراه محققًا مطبوعًا في أبهى حلة، فجزى الله خيرًا كل من كان وراء ذلك.
هذه قصة العباب ومؤلفه اقتبسها من المقدمة الرائعة التي كتبها أستاذنا الجليل أ.د. يحيى محمود بن جنيد رئيس مركز البحوث والتواصل العرفي المؤسسة الناشرة الكتاب.
أشار أستاذنا يحيى إلى الأجزاء اليسيرة المطبوعة بتحقيق العالم العراقي محمد حسن آل ياسين، ثم أشار إلى العالم الباكستاني الجليل د.فِير محمد حسن المخدومي الذي حقق الكتاب على عددٍ من النسخ، منها نسخة بخط المؤلف نفسه؛ ولكن المخدومي وافاه الأجل قبل أن يطبع الكتاب، وظل حبيس مكتبته حتى قيض الله له د. أحمد خان العالم الباكستاني المهتم بالخطوطات؛ إذ قدم بالكتاب إلى الرياض لعله يطبع في مهد العربية؛ ولكن الكتاب كما يذكر د.يحيى كان بحاجة ماسّة إلى فضل مراجعة وتحرير لصفحاته التي تجاوزت ثلاثة آلاف صفحة.
قيض الله لهذا العمل العظيم عالـمًا نحويًّا لغويًّا تمرّس بالتحقيق والإشراف على الكتب المحققة هو أ.د. تركي بن سهو بن نزّال العتيبي، فتفرغ لمراجعة الكتاب، وأفرغ في ذلك كل ما وهبه الله من معارف ومهارات مشهودة. يقول د. يحيى «عشق ابن سهو عمله مُخلصًا لا يلتفت إلى المشاق والمعضلات التي واجهها، منكبًّا على تفكيك كل معضلة، مستعينًا بآخرين من المخلصين، ممضيًا سنوات في العمل الشاق، وكتب الله له الفراغ منه مُتنفِّسًا الصُّعَداء هاشًّا باشًّا، وحدد موعد الطباعة الفعلية للعمل الكبير؛ ولكن جاءت لحظة خانقة، لعلها أبكت ابن سهو وأغاظته، وفي الوقت نفسه أفرحته؛ إذ عُثِر على قطعتين من الكتاب لم يقف عليهما المحقق الأصلي المخدومي، فعاد ابن سهو يقابل ما حرّره، وصحّحه، مُعلّقًا عليه في تحقيق المخدومي، فوجد العجب العُجاب، وغاص في بحر لُجِّيٍّ من المتناقضات يصحّح ويحرّر ويراجع دون كلل أو ملل، يدفعه إلى ذلك عشقه لما بين يديه، وخرج بآلاف الملحوظات الجديدة، وكأنما هو يهدم العمل السابق كاملاً»، وذكر د. يحيى أن ما بذله د.تركي جعله شريكًا بحق في تحقيق الكتاب، ولذا فإن «معجم العباب الزاخر واللباب الفاخر» هو «عمل المحقق فير محمد حسن المخدومي، رحمه الله، وتركي بن سهو العتيبي، أمد الله في عمره، وأجزل له الثواب على صبره وعنائه وتفرغه سنواتٍ خمسًا أنهكته بحِملها العلمي الثقيل».
ويختم أستاذنا يحيى مقدمته بما عده مفارقة غريبة، إذ يذكر أن مؤلفَ الكتاب عربي قرشي من سلالة عمر بن الخطاب ، ولد في لاهور الباكستانية ونشأ في غزنة الأفغانية، وعاش متنقلاً في أقطار الإسلام واستقر في بغداد حتى توفي عام 650هـ، وكان قد أوصى أن يدفن في مكة المكرمة، فكان له ذلك، ثم إن كتابه شاء الله أن يحقق في باكستان مسقط رأسه ثم يستكمل تحقيقه ونشره في الرياض قلب الجزيرة العربية عاصمة المملكة العربية السعودية، «فكأنما عاد به الزمن ومعه كتابه من موطن هجرة أسرته إلى ثرى منبعها الأصلي جزيرة العرب».
وكتب أ.د. تركي تقديمًا للكتاب وصف فيه العمل عليه منذ تسلم مخطوطة البيروني، ثم كتب تصديرًا وصف فيه عمل المخدومي ثم عمله هو، وتأتي بعد مقدمة المحقق المخدومي المشتملة على ترجمة وافية مفصلة عن الصغاني وكتبه وختمت بذكر نسخ الكتاب وبكلمة شكر.
هنيئًا للعلماء اللغويين ولطلاب العلم من أمثالي هذه الهدية القيّمة التي يقدمها مكتب البحوث والتواصل المعرفي للمكتبة العربية، وهو عمل يحق لبلادنا أن تفاخر به كما تفاخر بسلسلة من المحققات الجليلة مثل المقاصد الشافية للشاطبي وما حققه أستاذنا أ.د. عبدالعزيز المانع وغيره، وهي أعمال كثيرة أحسن حصرها أستاذي أ.د. أحمد بن محمد الضبيب في معجم من ثمانية أجزاء، وكان من سعادتي أن لقيته في هذا الحفل الذي كان راعيه وارتجل فيه كلمة وافية عن الصغاني ومعجمه.
وبعد أن منَّ الله علينا برؤية المعجم مطبوعًا ندعو الله أن يوفق القائمين عليه لإخراج نسخة منه على الشابكة؛ ليعم نفعه في كل أنحاء المعمورة، وأن يُؤذن للمكتبة الشاملة أن تضمه إليها لينتفع بذلك الباحثون وطلاب العلم؛ إذ النسخة التي لديها معتمدة على الأجزاء القليلة التي نشرت لآل ياسين رحمه الله.