لم يكن طه حسن عميد الأدب العربي شخصية سهلة حين تقرأ له أو تستمع لبعض مقاطعه الصوتية، ورغم هدوء عواصفه إلا أن تأثيره على تاريخ الأدب، بل وعلى طريقة التفكير العربي أمر يصعب تجاوزه عند أي جيل خصوصاً حينما تزور معرض كتاب أو رف مكتبة تجد بعض طرحه منثوراً بين صفحات الكتب.
طه حسين ألقى بقنبلة فكرية خلخلت بعض قناعات المهتمين والمؤمنين بثبوتية نسب الشعر الجاهلي إلى العصر الجاهلي، طه حسين أربك كتب التاريخ الأدبي، وأنهك مصادرها فهو أشعل قضية انتحال الشعر الجاهلي وقال: إن أغلبه كُتب في العصر الإسلامي إن لم يكن كله، القضية لم تغلق حتى الآن؛ الشعر الجاهلي الذي يمثّل للغوي وللمفسر وللمحدث وللراوي وللأديب يمثّل لهؤلاء حجة وبرهاناً، بل ويمثّل للشخص العربي تراثاً يستحق الفخر، فطه حسين لخبط الرؤى القديمة.
وتوفرت فيه ثلاث صفات الذكاء والشجاعة والبعد عن التبعية وهي صفة قل أن ينجو منها أحد!، صحيح أنه استمد الفكرة من غيره أمثال بروكلمان ومرجليوث إلا أن أسلوب طرحه مغاير للآخرين فهو بلور الفكرة وأصلّها وفرّعها عربيا وناضل من أجلها.
فهو يرى أن الأدب العربي القديم يجب أن يخضع للبحث والتمحيص والتأكد من صحته، وكأنه يريد تطبيق منهج أهل الحديث في الأدب الجاهلي فهو ديكارتي التفكير منطقي الحوار. طه حسين استطاع أن يستنطق الصامتين ويستدر أفكار المغمورين مؤيدين له أو حتى رافضين.
وفي لقاء تلفزيوني أذيع عام1973م أدارته المذيعة العريقة ليلى رستم آنذاك، جمع اللقاء طه حسين مع نخبة من أدباء عصره أبرزهم يوسف السباعي ونجيب محفوظ وأنيس منصور، وكان كل واحد منهم يوجه له سؤالاً وكانت إجاباته تستحق أن تدرس في أسلوبها ومضمونها.
بث الروح الديكارتية في مناهج البحث الأدبي، فديكارت يعد أبو الفلسفة الحديثة فهو يرى أن الحدس هو الخطوة الأولى للبحث العلمي والذي يبدأ معه التسلسل المنطقي للوصول إلى النتيجة الصحيحة، فطه حسين ذكر في أحد البرامج الإذاعية أنه قرأ كتب ديكارت ودرس فلسفته.
قال عنه نجيب محفوظ في أحد البرامج الإذاعية مخاطباً طه حسين إنك ناقد ومؤرِّخ وأديب وسياسي.
ربما أن الحجارة التي رُمي بها طه حسين في بدايات حديثه عن الشعر الجاهلي هي التي حركت مياه تفكيره وضخمت رأيه، وأشعلت شهرته، اُتهم في أهدافه مع أنه كان يرى أن القرآن هو أفضل مصدر لمعرفة تاريخ العصر الجاهلي، ومن أكبر أدلته على الشك في مصداقية ثبوت الشعر الجاهلي اللغة البيضاء التي كان يتحدث بها الشعراء في تلك الحقبة كون اللهجات كانت مختلفة فلم يكن لديهم فكرة تقديس الفصحى كوقتنا هذا حتى يوحدوا لغتهم في لهجة قريش.
وجّه طه حسين نقداً لاذاعاً لعبقريات العقاد وقال أنا لم أفهم عبقرية عمر وعبقرية أبي بكر وانتقد كتاب عبقرية محمد لمقارنة العقاد بين غزوة بدر وغزوة نابليون!
وعلى الرغم أن طه حسين من المتحمسين للفصحى إلا أنه أجاز استخدام بعض الجمل العامية القليلة أثناء الكتابة في الفصحى واستند في رأيه إلى قول الجاحظ في القرن الثالث الهجري أنه لا بأس في ذلك إذا احتيج إليه عرف عنه أن لديه جاذبية في الحديث، كلامه غير ممل، يسلسل المعلومة، قاسياً وصريحاً في نقده.
** **
- صالح بن سليمان الربيعان