هي لي أيها النجار.. سأفرد عليها خمساً وأربعين من السنوات العالقة بي والمحسوبة عليّ عمراً عشته وهو في الحقيقة عاشني واحتلني..
سأفرد عليها قائمة أمنياتي التائهة، وأصف عليها رسائل الحب المتأخرة التي جاءت بعد عقود من تيه ساعي البريد عن وجهته..
سوف أخلط الخيبات والانتظار والوجع والأمل في إناء عميق جدا يشبه القلب في قدرته على تحمل هذا المزيج الصعب، ثم أوزعه في زواياها الأربع, أما جهتها المقابلة للواجهة الزجاجية..
ستكون من نصيب الجروح الغارقة في الدم والدمع.. نعم ستكون هناك حتى تجف وتلتئم بفعل الامتداد إلى هوة الذكريات والتعود عليها.. هذه المنضدة يا صديقي ليست لارتصاص الأشخاص لابتلاع أشهى المأكولات، بل هي لي أفرغ فوقها ذاكرة الطفل المخبتئ داخلي الذي ينام ويستيقظ وهو يشعر ليس بالجوع فقط بل بدوران يفقده السيطرة على جسمه النحيل، فيهوي على تلك الحصيرة تارة تحمله أمه وتغطيه بأكياس الخيش ليكمل نومته الغريبة، وتارة يبقى في العراء..
سأمد فوق منضدتي المتينة ذلك الشريط من الذكريات الممتد من لحظة جرّتني أمي خلفها حتى دخلنا من باب عملاق يفضي إلى حديقة بها ألوان وأشكال من الأشجار المثمرة.. تمتمت أمي لرجل يقلم شجرة تكاد تهبط على الممر الحجري المرصوص بعناية.. غاب لدقائق.. عاد ودعاها للدخول.. في أقصى المجلس ينتظرنا رجل يبدو أنيقاً في حديثه وشكله لولا أنه عندما ضحك لأمي وهو يغمز لها بعينه ظهر سنه الذهبي مما جعلني أشعر بالتقزز من ذلك..
عاد لجدّيته وهو يقول: أنت تعلمين ما هو ثمن أتعابي؛ أليس كذلك؟ هبّ واقفاً.. أفلتتْ كفها القابضة على كفي وتبعته.. سارت قليلا تلتفت إليّ وتؤشر لي أن أنتظر أنا قادمة..
عادت بحمولة من الانكسار والضعف لم تمكنها من القبض على كفي مرة أخرى ..
** **
- كفى عسيري