أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: سيبويه رحمه الله تعالى كغيره من نوادر العلماء العباقرة بشر غير معصومين، وليس هو الذي سهَّل النحو وبوَّبه، بل في أسلوبه عُسْر، وأبوابه متداخلة غير محكمة الترتيب، ولكنه عبقري النحو العربي بلا منازِع، ومن أُمناءِ الأمة المحمديَّة، ووارث علم العبقري أبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد، ولا مرجع له غير التراث العربي وقوة الفكر، وهو الذي استوعب النحو العربي، وفسَّر علله؛ فَسُمِّي كتابه المشهور بصيغة الإطلاق (الكتاب)، وَوَصْفُ مؤلِّفه بالجناية فحيح صِلٍّ شعوبي بلا ريب، وقد اكتشف العَلَمُ المشهور زكريا أوزون جناية سيبويه في الجملة الاسمية!!.. لماذا؟.. لأن الجملة الاسمية (الطفل سعيد) تفيد الديمومة والثبات، ومعنى ذلك أن الطفل كان سعيداً، وهو سعيد الآن، وسيبقى سعيداً في المستقبل.. وهذا المعنى لا ينطبق على صفات البشر؛ إذن هذا الاصطلاح إن صح لا يصلح إلا في المعتقدات والحقائق العلمية الثابتة فقط كقولنا: (الأرض كروية)، وأثنى على اللغة الإنكليزية بأنه لا يوجد فيها جملة اسمية، وإنما هناك دائماً أفعال الكون التي ترافق الأسماء للحاضر والماضي و(المستقبل المفرد!!).. انظر جناية سيبويه/ الرفض التام لما في النحو من أوهام ص 26 وص 54.
وقرَّر أن مصطلح الجملة الاسمية (من حيث الدلالة والمعنى) يحتاج إلى إعادة نظر.. ومع طول تفلسفه لم يقترح بديلاً، ولم يرجع إلى كتاب سيبويه أبداً في هذه المسألة التي هي عنده جناية سيبويه!!.. وكتاب سيبويه وعقل أوزون كالثرى والثريا بلا ظلم ولا حيف.
قال أبو عبدالرحمن: ههنا وقفات:
الوقفة الأولى: أنه على سبيل المثال (والأمثلة كثيرة) نجد أوزون يقول: ((هذا ما جرى عليه أجدادنا)).. المصدر السابق ص 15.. فماذا سيسمى هذه الجملة.. أليست هذه جملة اسمية؟!.. ثم هل جرى أجداده على أن الطالب فاعل - في قولك: جاء الطالب - مدى الأبد -، أم أنهم ماتوا وبادوا؟!.. ثم هل هو متأكد أن أهل الفصحى كلهم (من عدنان وقحطان) هم أجداده؟!.. ومثل ذلك عنوان كتابه (جناية سيبويه)!!.
والوقفة الثانية: أنه من الغفلات الصُّلْع حكمه بأن الديمومة الزمنية حتمية في مثاله (الطفل سعيد) بحكم النحو.. كلا!!.. إن مراد النحو إفادةُ خبرِه عن سعادة الطفل.. أي حَمْلُ السعادة على الطفل بالاصطلاح المنطقي عن محمول ومحمول عليه.. وأما الديمومة الزمنية نفياً أو إثباتاً فلا يُعَلِّقها النحاة على هذا المثال؛ لأن عملهم هذا تحليلي لكلام العرب؛ فإذا أرادوا دوام السعادة زادوا عنصر التحليل بقيود؛ فقالوا مثلاً: (الطفل سعيد أبداً) والأبدية معلَّقة بمرحلة الطفولة.. أو (الطفل سعيد مدى طفولته).. وإذا أرادوا جُزْءاً من الزمن قالوا: الطفل سعيد أمس، أو الطفل سعيد اليوم، أو الطفل سعيد الآن، أو الطفل لا يزال سعيداً، ولا يقولون: الطفل سعيد غداً.. فإن سمعوا ذلك انتقدوه؛ لأن الخبر عن المستقبل إحالة ممن ليس بقدرته العلم بكل مستقبل، أو فسَّروه بنبوءةٍ على مجرى العادة.
والوقفة الثالثة: أنه بناء على ما سبق تكون الأمثلة النحوية للغرض الذي سيقت له مثل الخبر عن سعادة حاصلة للطفل؛ فإن أرادوا مع ذلك معنى آخر (كإطلاق الزمن أو تقييده) زادوا الكلام قيداً؛ لأن دلالة النحو في المثال التحليلي غير دلالة مراد المتكلِّم الذي لا يُفهم إلا بتعيين المراد بزيادة تركيب، ودلالة سباق، وقرائن أحوال.. والنحو في هذا كمفردات اللغة؛ فإذا مثَّل اللغوي بكلمة (عين) شملت كل معنى لغوي للعين كالجارحة المبصرة، والماء الجاري.. إلخ؛ فإذا أرادوا مراد المتكلم نظروا في كلامه المركَّب بقيوده وسياقه وقرائن أحواله؛ فإذا قال: ((شربتُ من العين)) لم يدل ذلك إلا على عين جارية بدلالة (شربتُ) و(مِن).. فإن كان سياقه عن حسناء فاتنة الجمال فالكلام مجازي: إما عن متعته برؤية عينها، وإما عن ارتوائه المجازي من تقبيلها ومصِّها وشمِّها.
والوقفة الرابعة: أستبعد غاية الاستبعاد خلوَّ أي لغة من جملة اسمية؛ لأن البشر كلهم ما بين مُخبِر ومُسْتَخْبِر؛ فإن حصل ذلك فهو نقص في عبقرية تلك اللغة؛ لخلوها عن زيادة فائدة.
والوقفة الخامسة: لا أفقه معنى قوله عن الاصطلاح: ((إن صحَّ)) مع أنه حكم بفساده بصيغة اليقين.
والوقفة السادسة: لا أفقه معنى لقوله: ((المستقبل المفرد))؛ فما دلالة (المفرد) في تقييد المستقبل؟!.. وفوق كل ذي علم عليم.
والوقفة السابعة: أن للعرب نحواً آخر هو علم البلاغة.
والوقفة الثامنة: ما عند الإنكليز من الأفعال الزمنية موجود عند العرب.. بل المضارع عندهم قسمان: أحدهما آنيٌّ غير قارٍّ يسمى الحاضر، وثانيهما: مستقبل، والله المستعان، وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والله المستعان.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين