الدهر لاءم بين ألفتنا
وكذاك فرَّق بيننا الدهر
طريق الموت عامرٌ بسير من انقضت أيامه في الدنيا الفانية إلى دار النعيم والخلود الدائم بإذن الله.
فبالأمس القريب انتقل إلى رحمة الله الأخ والصديق الفاضل المهندس ياسين فكاك هداد.. أحسن الله إليه وجعله في عليين.
لقد امتدت معرفتي بالفقيد سنوات طويلة أيام كنا زملاء في طلب العلم، في أرض النيل، مصر المؤمَّنة.
لقد عرفت الأخ ياسين محبًا للعلم. إذ كان شغوفًا بالقراءة والاطلاع، والعلم والتعلّم، وأكثر ما كان يقرأ لنجيب محفوظ ومصطفى محمود، وقد تأثر بفكريهما وأسلوب كتابتهما كثيرًا.
وفوق ذلك فإن المهندس هداد كان ذا نشاط اجتماعي واسع، وقد اختير ضمن الوفد الممثّل للطلاب الإرتريين في العالم في ألمانيا الشرقية آنذاك قبل اتحادها مع الغربية، وكذلك ومن ضمن نشاطاته شغله سكرتير اتحاد الطلاب الإرتريين في القاهرة الكائن في شارع شريف شقة رقم 15، ويعد هذا الاتحاد من أقوى وأنجح الاتحادات وقتها، وقد زاره نائب رئيس الجمهورية آنذاك أنور السادات، وتحدث عن هذا الاتحاد ومدحه كثيرًا، وقد تناولت الصحف الإثيوبية هذا اللقاء وتحدثت عنه بإسهاب. وكان له مواقف إنسانية كثيرة وكبيرة، لكن أشهرها وأكبرها على الإطلاق، والذي لا يمكن أن يُنسى، ذلك الموقف العظيم مع المرأة الأرمنية التي شُرِّدت بعد الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا ولبنان واستقر بها المقام في قاهرة المعز، حيث تقطَّعت بها السبل ولم يكن لها من زوج ولا ابن ولا ابنة ولا قريب، فكانت كما يُقال (مقطوعة من شجرة).. فكان ياسين يقوم على خدمة هذه المرأة المسنة، حيث يتفقد احتياجاتها ويوفرها لها، وكل ذلك في سرية تامة، حيث كان لا يريد أن يطلع على ذلك أحد، مبتغياً الثواب من الله سبحانه. وأذكر في مرة ذهبت معه فلم نجدها في بيتها ولما سألنا عنها عرفنا أنها مريضة بالمستشفى فذهبنا لزيارتها، وعندما رأتنا أخذت تبكي بكاءً مرًا حتى أبكت من بجانبها في المستشفى. ألا رحم الله المهندس ياسين، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وجعل البركة في عقبه.
** **
- صالح إبراهيم رطي