{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
توفي سليمان بن عبدالرحمن القسومي (أبو حمد) -رحمه الله-، وصلي عليه في جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ببريدة.
اللّهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نُزُله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس واجعل منزله الفردوس الأعلى من الجنة.
قرأت الخبر السابق بكل أسى وحزن عبر تغريدات وردت على صفحات تويتر ليلة السبت 1443/10/28هـ عن وفاة الشيخ المربي والمعلم الفاضل سليمان بن عبدالرحمن القسومي أبو حمد من معلمي الجيل الأول الذين جمعوا بين التعليم التقليدي والتعليم الحديث.
بدأ حياته التعليمية عن طريق حلقات المطاوعة (الكتاتيب) وعن طريق مجالس العلماء والمشايخ الذين تعج بهم مدينة بريده يعلمون الناس العلوم الشرعية بمنازلهم وبالمساجد وبالمكتبة العلمية (مكتب الملك سعود) التابعة للجامع الكبير (جامع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز) والذي بناه الملك سعود عام 1379هـ وجدد بناءه الملك فهد عام 1418هـ يعلمون الناس بالمجان ومنهم فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد الذي سكن مدينة بريدة وتولى فيها القضاء وإمامة الجامع الكبير بأمر من الملك عبد العزيز وتزوج من أهلها ثم رحل عنها إلى مكة المكرمة بعد أن أصدر الملك فيصل مرسوماً ملكيا عام 1384هـ يقضى بتعيين فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد مشرفاً على المسجد الحرام بمكة المكرمة.
ثم أصبح رئيساً لمجلس القضاء بأمر من الملك خالد وعضواً في هيئة كبار العلماء وظل يشغل هذه المناصب حتى وفاته عام 1402هـ.
ومنهم الشيخ محمد الصالح المطوع (الحميدي)الذي ظل يعلّم الناس في مسجد عودة الرديني، وسط المدينة حتى توفاه الله، ومنهم فضيلة الشيخ صالح الخريصي، رئيس محاكم القصيم الأسبق، وجار الوجيه عبدالرحمن القسومي بالحارة ووالد المتوفى.
درس أبو حمد بمدرسة الصقعبي والوهيبي وحصل على إجازة التدريس والتي تعادل في وقتها إجازة القضاء في عهد الملك عبدالعزيز وأكمل تعليمه النظامي أثناء عهد الملك سعود وحصل على شهادة كفاءة معهد إعداد المعلمين الليلي.
يعد المعلم والمربي الفاضل أبو حمد من أنجح المعلمين والإداريين بالمنطقة درّس بمدرسة العجيبة التي فتحت في عهد الملك سعود ورابع مدرسة تفتح بمدينة بريدة وعين مديراً لها عام 1387هـ بعد انتقال مديرها الأسبق عبدالله بن سليمان المشعلي إلى الرياض وظل مديراً لها حتى تقاعده عام 1413هـ.
ينتمي الأستاذ سليمان القسومي إلى أسرة كريمة، سكنت قديماً مدينة بريدة ورحل بعض أفرادها وسكنوا المدينة المنورة والرياض.
ارتبطت الأسرة بعلاقات نسب ومصاهرة مع الكثير من أسر بريدة المعروفة والمشهورة. عملوا كغيرهم من أسر القصيم بالتجارة خاصة تجارة المواشي والإبل وطرق آبائهم وأجدادهم الفيافي من أجل التجارة مع البلدان المجاورة الشام والعراق ومصر قبل توحيد المملكة عام 1351هـ وقبل اكتشاف البترول فكانوا من تجار القصيم الذين عرفوا بالعقيلات، وبقي بعضهم يتاجر بالأغنام والإبل داخل المملكة إلى عهد قريب.
وعندما وحَّد الملك عبدالعزيز المملكة وأنعم الله على هذه البلاد بالبترول وبالأمن بفضل الله ثم فضل الملك عبدالعزيز وأبنائه وفتحت المدارس الحكومية لتعليم الناس بالمجان كان أفراد عائلة القسومي سباقين للانخراط بالتعليم وحصل الكثير منهم على مؤهلات علمية أهلتهم لخدمة الدين والمليك والوطن كالأستاذ سليمان وابنه حمد الذي عمل مسؤولاً بالجمارك وظل يعمل بكل أمانة وإخلاص حتى تقاعده قبل سنوات. وأخو المتوفى عبدالله الذي خدم بالتعليم وعمل مدرساً وتخرَّج على يديه الأطباء والقضاة والمعلمون الذين خدموا مسؤولين بالدولة.
والوجيه أبو حمد له مواقف يذكرها المعلمون والطلاب يقول: أحد الطلبة نقلنا من الرياض إلى بريدة عام 1395هـ وسجلنا الوالد بمدرسة العجيبة وكنت الوحيد بين طلاب المدرسة الذي يلبس ساعة وفى يوم من الأيام ضربني المدرس فأخطأ وصارت الضربة بقزازة الساعة وانكسرت فأخذت أبكي وذهبت للمدير أبو حمد وأنا أبكي وشكيت عليه المعلم فأخذ الساعة وهدأني وقبل الحصة الأخيرة جاء المعلم إلى الفصل ومعه الساعة بعد تصليحها.
تقاعد أبو حمد عن التعليم بعد بلوغه السن النظامية وفتح مع أخيه عبدالله محلاً لبيع الرخام والسراميك والحجر ولا يزال قائماً بالجهة الغربية الشمالية من طريق الملك عبدالعزيز (الخبيب سابقاً) مقابل جامع الراشد الحميد ببريدة.
ووالد الأستاذ سليمان عبدالرحمن القسومي من جيران الشيخ صالح بن أحمد الخريصي بحارة الحويزة ومن الأصدقاء الخاصين للشيخ ومن جماعة مسجده ومن الذين يثق بهم وتكريماً لشخصه خصه الشيخ بالزيارة والإفطار عنده على الحنيني خاصة أيام البرد جمعة من وراء جمعة أما الجمعة الأخرى فكانت من نصيب الجار الآخر الشيخ راشد الخويلد.. رحم الله الجميع.
وعزاؤنا لابنه حمد وإخوانه وأخواته ولعائلة القسومى في مدينة بريدة وخارجها ونسأل الله أن يجعلهم خير خلف لخير سلف، وأن يرحم فقيدهم المربى والمعلم سليمان بن عبدالرحمن القسومي، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يظله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يثبته عند السؤال، ويسكنه الفردوس الأعلى، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- علي بن محمد الربدي