عطية محمد عطية عقيلان
رواية ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية)، ابتكر فيها شخصية «سي السيد» التي ترمز إلى الأب القاسي والزوج الديكتاتور في بيته، والفرفوش والمؤنس خارج بيته، وفي تناقض كبير في شخصيته الصارمة داخل البيت وشخصيته الظريفة المنفتحة خارجه، وأصبحت كلمت «سي السيد» ترمز إلى الرجل الصارم والمهاب والمطاع داخل بيته من أبنائه وزوجته، دون نقاش أو جدال معه، على أن الأديب الراحل اعترف في مذكراته التي صاغها الناقد والصحفي رجاء النقاش، بأن شخصية «سي السيد» هي خيالية غير حقيقية على أرض الواقع، ولكن ابتدعها وابتكرها بمزج عدة شخصيات عايشها في صغره سواء والده أو خاله أو عمه أو زوج شقيقته، ولكن ظلت شخصية «سي السيد» تصور أنها كانت موجودة في حقبة تاريخية من المجتمع المصري، وترمز إلى تسلط الرجل وسطوته على المرأة وظلمها وقهرها، وأدى دورها في السينما يحي شاهين وفي التلفزيون محمود مرسي، وكان لضخامة جسمهم وتكشيرة وجههم أثرٌ على تكوين انطباع عن هذه الشخصية الديكتاتورية، وأصبحت كلمة «سي السيد» تقال في الأفلام أو المسلسلات أو حتى في الحياة العادية، للتذكير بأن صاحبها صارم وقاسٍ ومتجهم ولا بد أن يطاع داخل منزله براحة وهدوء، رغم أن هذه الشخصية التي اشتهرت هي في الأصل «خيالية» وليست واقعية وهي من ابتكار الأديب نجيب محفوظ، والمصادفة العجيبة أن هذه الرواية الثلاثية تحكي عن أحداث الثورة عام 1919م وهي نفس الفترة التي عرف فيه قصة ريا وسكينة واللتان تعتبران أشهر سفاحتين في مصر، واللتان قامتا بتكوين عصابة لاستدراج النساء وسرقتهن وقتلهن، فإذا كانت شخصية «سي السيد» خيالية، فإن ريا وسكينة حقيقية وتم إدانتهن وإعدامهن في عام 1921م، ولكن في الواقع يتم التعامل مع كل هذه الشخصيات على أنها حقيقية وواقعية.
وسبب المقالة عن «سي السيد» هي ما تم الاهتمام به وتداوله في الأسابيع الماضية على مختلف المنصات ووسائل الإعلام من قصة النجم «جوني ديب»، وطليقته، حيث كانت المحاكمة والجلسات علنية، وكانت شخصية الفنان جوني بخواتمه في كافة أصابعه «تستحضر سي السيد»، ولكن مع جلسات المحاكمة، ظهر جلياً، أن سي السيد صاحبنا هو من تعرض للإيذاء الجسدي واللفظي والنفسي، وكان يواجه لحظات عصيبة، تتطلب رباطة جأش وقوة تحمل، للضرب والإهانات التي يتعرض لها، إضافة إلى خسارة كثيرٍ من عقود الرعاية والعمل، بسبب ادعاءات طليقته بأنه يضربها، ساهم بصديقها ما يقوم به من ضرب وتحطيم وقوة في أفلامه مع خواتمه المرصوصة في يديه، ونظرته المرعبة المتجهمة، لتثبت أن الرجل قد يحكم عليه ظلماً، نتيجة التصور الظاهري الخادع في كثيرٍ من الأحيان. لذا لا نستغرب عن سماعنا عن وجود قضايا يرفعها الأزواج يشكون فيها من التعنيف بالضرب والكلام، وأحمد الله على النعمة التي أنت فيها، إذا كانت زوجتك تؤمن بأنك سي السيد ولا تريد أن تزعلك خوفاً من غضبك أو ردة فعلك، ولكن أحذر أن تتمادى في ذلك، فلا تختبر صبرها وحلمها، خوفاً عليك أن تصبح من الضحايا الذين يشار لهم بالبنان، والكيس الفطن من اتعظ بغيره.
خاتمة كوميدية: لا تستغرب عزيزي القارئ عندما تجد صديقاً أو قريباً أو جاراً أو زميل عمل، وقد تورمت عيناه أو انتفخت شفتاه أو انكسرت يده فقد يكون من نوعية «سي السيد» السينمائية الخادعة من أصحاب الخواتم والنظرات المخيفة، فرأف به وتعاطف معه) فهو من ضحايا ريا وسكينة.