بين مد الممكن وجزر المستحيل وفي منطقة تصافح شواطئها النخيل، نصب المجاز خيامه وأدار الخيال مدامه وسقى الشعر كرامه، فتهادى النثر نحو دارين يشدو غرامه، ها هي كؤوس الوفاء ملئت بالمحبة والإخاء وتعطرت دارين معلنة عن مهرجانها (مهرجان دارين الرابع). أخذ الزمان بيد المكان ليصنع الفارق في أروقة نادي الأصالة والإبداع نادي المنطقة الشرقية الأدبي والذي يحمل عبء هذا التشريف كوكبة تدور أفكارهم في مدارات لم تقاربها كثير من مؤسساتنا الثقافية الواقعية وأخواتها الافتراضية، ولأن حرف العطف بين السمو والتسامي من سمات أهل الساحل الشرقي كانت هذه الوقفات مع مهرجان دارين الرابع:
الأولى: يكاد يجمع من حضر بمشاربهم الثقافية المتباينة على أن هذا المهرجان يتكئ على عقلية إدارية فذة قد أُترعت بالذكاء الاجتماعي، فأمرع ناديها مكرمين ومشاركين تتباين مصادرهم ووِرْدُهم دارين.
تفيَّؤوا أشجار الشعر والفكر حتى لكأن الرائي لنا يظن أن أبا تمام كتب فينا بيته الشهير:
«أو يفترق نسب يؤلف بيننا
أدب أقمناه مقام الوالد»
وما كان هذا ليكون لولا أن رئيسه الاستاذ محمد بن عبد الله بودي الأمين المساعد لاتحاد الأدباء والكتاب العرب يتمتع بشخصية تتجلى فيها صفات تفرقت في غيره واجتمعت فيه، وأصداء المهرجان سردية تحكي بعضا من خِلاله الإدارية خصاله الاجتماعية ممتعة بروح أحسائية تتمتع بسخاء نفس ويد ومشاعر، لو أراد الواحد منا أن يكرم نفسه بنفسه كإياه ما استطاع .
الثانية: ما إن تضع يمناك في يمنى عضو من أعضاء هذا الصرح حتى يزهر فيها الود ويورق في فؤادك الورد، فكل فرد منهم يملك من الحس الإنساني والذوق المهني ما يجعل الدهشة متسيدة لُبَّك في حركاتهم وسكناتهم، فهم أفراد تسكنهم فردانية إيجابية للنجاح والإبهار سيرت برامج المهرجان الرسمية ورحلاته البحرية والأحسائية إلى مسالك الخلود في الذاكرة، فمن الشاعر الرائع الأخ: أ. متعب الغامدي إلى الصديق الشاعر: أ. علي الزهراني والإنسان المتأنق المتفاني: أ .عبد الوهاب الراشد مروراً بالأخ الغالي: أ. بدر الحارثي والأخت الفاضلة الروائية أ. منيرة الهاجري وغيرهم مما عزبت أسماؤهم عن الذاكرة بعد أن خلدتهم أفعالهم في كل طيف يلوح.
الثالثة: ثلاثةٌ انسابَ أحدهم من واحات الأحساء، وشخَصَ الآخر من منابت الغضا، وثالثٌ أبحر من سِيف الحب بدعوة من مهرجان دارين، عطرتهم أفعالهم الشذية وسيرهم البهية فنثرت لهم دارين لآلئ الوفاء في ليلة استدار فيها بدر التاريخ ليضيء بسيرة الأديب الاستاذ عبد العزيز بن حسن الجبر، في هالة تحضن الصحافة والمكتبات وسيرة الأديب الدكتور علي بن عبد العزيز الخضيري الذي شنف مسامع الدنيا بتأسيسه لإذاعة القرآن الكريم وكيل وزارة الإعلام السابق لشؤون الإذاعة، وسيرة الكاتب الدكتور عبد الله بن صادق دحلان عضو مجلس الشورى ورئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا والذي ينبجس قلبه حبا للمعرفة والثقافة ومن الداعمين لكثير من المبادرات الثقافية في ساحلنا الغربي الجميل.
الرابعة: حملتهم قلوبهم وسرت بهم قوافيهم من عمان الكناية وبحرين المجاز وكويت الخيال إلى مرسى الشعر وملتقى الأدب في دارين، ليعانقوا شعراء المملكة الشاعرية المملكة العربية السعودية، في قوافيهم تعملق الخليل وأبهر ومن تفعيلاتهم سح البدر الممطر «لترقص الأضواء كالأقمار في نهر» وذائقة ضيوف الشرف من الدكاترة والمحامين والنقاد تشتار من «جنى النحل أو أبكار كرم يقطف»، في تظاهرة ثقافية يؤرخ لها، ولن يكون لاحقها كسابقها وستضعها كثير من مؤسسات الخليج بله المملكة في الحسبان.
أخيراً:
مهرجان دارين أحرق العود والمندل فتأرج الخليج بالمرفل والمسبغ والمذيل وأما فالدَّيْنُ فعلى بقية المشتغلين بالعمل الثقافي أن تخرج من قمقم الرتابة إلى رحاب الأصالة والإبداع، فهي الظل الظليل لهذا الجيل الشاب المتعطش لمثل هذه التظاهرات الثقافية ولكم في دارين أسوة ولكم منا الإشادة والحظوة والحضور.