لقد طبعت نفس كل مسلم، ولو كان يعيش في أي ناحية من نواحي العالم، شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، على الطموح والحب والإيمان، وهي تندفع اندفاعا قويا إلى كل أدب ورسالة يبعثان الطموح، وسمو النفس، وبعد النظر، والحرص على سيادة الإسلام، وتسخير هذا الكون لصالحه، والسيطرة على النفس والآفاق، ويغذيان الحب والعاطفة، ويبعثان الإيمان بالله، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبعبقرية سيرته، وخلود رسالته، وعموم إمامته للأجيال البشرية كلها.
«إلا رسول الله» كلام وجيز يحمل في أثنائه عالم المعاني والحقائق، ولقد شهد التاريخ بأن أسس الحياة الكاذبة المزورة ودعائم النظم المصنوعة الجائرة لم تتأثر ولم تتزلزل بشيء مثل ما زلزلت بهذه الكلمة الوجيزة البسيطة، وأن الذهن البشري لم يضرب أبدا قبل هذه ضربة موجعة، لقد كانت ضربة قاسية على افكار الحياة الخاطئة بأسرها يتأثر بها هيكل الحضارة والسياسة بجميع أركانه.
«إلا رسول الله» كلمة تعني أن هذه الحياة ليست أجمة بريئة وحشية لم يعتن بها معتن، بل هي حديقة منسقة غرسها الله تعالى وتعهد تهذيبها وإصلاحها، وأن الإنسان ريحانة هذه الحديقة، وروح الربيع، وكيف تذبل روح الريحانة وتدوسها الأقدام أو تخطفها الطير، أو تهوي بها الريح...؟
« إلا رسول الله» كلمة تتسم بالنبوة، والنبوة هي النور الوحيد في هذه الظلمات المترامكة، والنبع الوحيد لعلم الله المحكم وأمره المبرم، والنبي هو المتصل بهذا النبع، والواسطة بين الحق والخلق في الهداية، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو آخر المتصلين بهذا المنبع، وخاتم الأنبياء والمرسلين الذي نسخ به الأديان ونصبه إماما لكل زمان ومكان.
«إلا رسول الله» كلمة تتصف بها صفات النبوة والكمالات البشرية، ومعاني الحسن والإحسان، وهو المثل الكامل للبشر في كل عصر ومصر، وأن دينه الذي جاء به هو رسالة كل عصر ودواء كل داء، فلا يتم الإيمان بالله ولا يمكن الوصول إليه إلا بالإيمان بالرسل عامة وبمحمد المصطفى خاصة، وذلك قوله «محمد رسول الله».
«إلا رسول الله» كان وجود هذه الكلمة على وجه الأرض رمزا لحقيقة غير الحقائق المادية واللذات الجسدية، وكل فرد من أفراد هذه الأمة العربية والإسلامية يعلن للعالم وليدا وميتا، أن وراء القوى المادية قوة سماوية، ووراء الحياة الفانية حياة خالدة، فإذا ولد وليد صرخ في أذنه بهذه الحقيقة، وإذا مات فارق الدنيا بهذه الشهادة.
** **
merajjnu@gmail.com