بُني قصر الحمراء في حي المربع بالرياض في منتصف الستينات الهجرية الماضية، (الأربعينات الميلادية)، بأمر الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- ليكون سكناً ومقراً لديوان ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز آنذاك، وكان ذلك بديلاً عن قصر ولي العهد الطيني بالمربع الذي تعرض لحريق أدى إلى انتقال ولي العهد إلى قصر الضيافة المجاور مؤقتاً. وقصر الحمراء يعد أول قصر بُني بالخرسانة المسلحة بالرياض، كما أنه أول قصر ملكي بالمملكة مسمى بقصر الحمراء، ومن تصميمه الجذاب والفريد أطلق عليه ولي العهد الأمير (الملك) سعود بن عبدالعزيز قصر الحمراء ولعله شبهه بقصر الحمراء بالأندلس لما تميز به القصر من تصميم جميل ومغاير عن القصور والمنشآت المبنية باللبن والطين وبالنمط المعماري السائد في الرياض، فبرز قصر الحمراء مختلفاً ومميزاً عن ذلك النمط وفتح باباً لنمط عمراني جديد بمواد بناء مختلفة عن المواد المحلية آنذاك. وقد اشتهر القصر بعد أن أصبح المقر الرئيسي للملك سعود وديوانه الملكي ثم مقراً لمجلس الوزراء. ولقد تحدث كاتب هذه السطور عبر منبر صحيفة الجزيرة الغراء عن قصر الحمراء عدداً من المرات.
ما يدعو إلى الحديث عن ذلك القصر التراثي المهم هذه المرة هو ما أعلن عنه مؤخراً بإعادة تأهيله إلى فندق وتسميته بـ «الأحمر». وكما ذكرنا آنفاً أن الملك سعود -طيَّب الله ثراه -لا أطلق عليه قصر الحمراء واحتضن القصر سكنه وديوانه الملكي بذلك المسمى، واستقبل فيه جلالته العديد من الأمراء والعلماء ورجال الدولة والمواطنين في مناسبات متعددة، إضافة إلى استقبال جلالته فيه لضيوف المملكة من الملوك والرؤساء مثل الرئيس السوري شكري القوتلي، والرئيس المصري جمال عبدالناصر، والشيخ علي بن عبدالله بن ثاني حاكم قطر، والأمير زيد بن الحسين من العراق، ورئيس وزراء لبنان صائب سلام، والرئيس الباكستاني الكسندر مرزا، ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو والعديد من السفراء والضيوف الأجانب الآخرين، وتزامن لقاء الملك سعود مع الرئيس السوري شكري القوتلي والرئيس المصري جمال عبدالناصر مع أحداث عالمية أبرزها العدوان الثلاثي على مصر وأمر الملك سعود بقطع البترول عن بريطانيا وفرنسا بسبب ذلك العدوان، وسجل ذلك اللقاء التاريخي بين الزعماء الثلاثة في قصر الحمراء. كما استقبل الملك سعود في القصر زعماء آخرين مثل إمبراطور إيران الشاهنشاه محمد رضا بهلوي، والرئيس اللبناني كميل شمعون، ورئيس وزراء السودان عبدالله خليل، وقد أقام هؤلاء الزعماء الثلاثة في قصر الحمراء عندما انتقل الملك سعود إلى قصر الناصرية وأصبح قصر الحمراء قصراً للضيافة. وبعدها أهدى الملك سعود قصر الحمراء إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وأصبح مقراً لمجلس الوزراء عام 1376هـ / 1956م، واحتضن القصر مكتب ولي العهد الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء واستقبل فيه العديد من كبار الشخصيات المحلية والعالمية وأصبح مقراً لديوان الملك فيصل بعد توليه مقاليد الحكم عام 1384هـ / 1964م حتى انتقال مكتب جلالته إلى قصر الرئاسة المجاور لقصر الحمراء. وقد ترأس جلسات مجلس الوزراء في قصر الحمراء الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله والأمير سلطان بن عبدالعزيز، وصدرت باسمه العديد من المراسيم الملكية وقرارات لمجلس الوزراء سواء أثناء إقامة الملك سعود فيه على مدى عشر سنوات، أو أثناء استخدامه مقراً لمجلس الوزراء على مدى ثلاثة عقود حتى انتقاله إلى قصر اليمامة عام 1408هـ/ 1988م. كل هذه الأحداث من التاريخ والتراث التي شهدها القصر سجلت باسمه الرسمي الحقيقي قصر الحمراء، لذلك تغييمسمى القصر إلى الأحمر لا يوازي مكانته التاريخية والتراثية، بل بالعكس مسماه الأصيل التاريخي قصر الحمراء يثري مكانته ويعطيه زخم تاريخي ورصيد تراثي مثله مثل القصور والمنشآت التاريخية والتراثية العالمية التي عرفت عبر العصور باسمها الأصلي، فالاسم جزء لا يتجزأ من تاريخ أي منشأة تاريخية.
إن اسم قصر الحمراء هو جزء من تاريخ القصر وتراثه العبق ولا يمكن أخذ الجسد وترك الرأس عندها يكون فيه تشويش للحقائق والأحداث التي سجلت باسمه المعروف على مدى عقود منذ إنشائه. ونحن نعرف كيف تكتب البروشورات والكتيبات التعريفية للقصور العالمية والحرص على ذكر كل ما يتعلق بتاريخ وأحداث تلك القصور لملوك أوروبا ومتاحفها وفنادقها بتسجيل كل شاردة وواردة حول تلك المنشآت باسمها التاريخي الأصيل وهنا في حالة قصر الحمراء كيف يكون مآل أحداثه التي من ضمنها المراسيم الملكية وقرارات مجلس الوزراء التي سجلت باسمه الصحيح قصر الحمراء في جميع المصادر من وثائق رسمية، وكتب مرجعية، وصحف أبرزها صحيفة الدولة الرسمية والرصينة صحيفة أم القرى، إذا ذكر القصر باسم الأحمر بعد تأهيله عندئذ يكون فيه قلباً للحقائق وتشويه لتاريخ القصر الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة وفيه إرباك لا مبرر له، لذلك إذا كان الهدف المحافظة على التراث فالاسم جزء مهم من تراث وتاريخ القصر، ولنا أن نتذكر ما قام به الملك خالد -طيب الله ثراه- حين أعاد مسمى جامعة الرياض إلى اسمها الأول جامعة الملك سعود، وما أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - حينما كان أميراً لمنطقة الرياض بإعادة مسمى مستشفى الملك سعود الأول (مستشفى الرياض المركزي) من مركز الرياض الطبي إلى مركز الملك سعود الطبي، ثم توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه - بتسميته بمدينة الملك سعود الطبية، وكذلك توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- عندما كان أميراً لمنطقة الرياض أيضاً وأثناء تطوير قصور المربع وإنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بتعديل بوابة قصر المربع قصر ديوان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من الواجهة الجنوبية للقصر إلى مكانها الأصلي في عهد الملك عبدالعزيز في الواجهة الغربية، وكذلك اهتمام صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين الأمير الشهم محمد بن سلمان بتوجيهه الكريم بترميم وإعادة تأهيل قصر الشمسية وقصور الفوطة التاريخية كل ذلك دليل على العناية والاهتمام بالتراث بشكل عام والتراث العمراني بشكل خاص للمملكة والرياض من قبل ولاة الأمر -رحم الله المتوفى منهم وحفظ الحاضر وأبقاهم ذخراً للإسلام والمسلمين.
ويكفي ما فقدته الرياض من معالم عمرانية على مدى العقود الماضية وضرورة الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تتعلّق بتراث المدينة سواء عمرانية مادية أو غير مادية وجميل أن يستفاد من المدن العالمية العريقة التي تحافظ على آثارها وتراثها العمراني ولا يمكن تغيير أي جزء من معلم عمراني في تلك المدن بدون الدراسة المكثفة والتأكد من عدم إخفاء وتغيير ذلك العنصر ولو كان لون مطرقة باب أو إطار نافذة أو جزء يسير من واجهة ذلك المعلم، فكيف بتغيير اسم معلم عرف به على مدى عقود وتزامنت أحداثه مع عهود كل من الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد -تغمدهم الله بواسع رحمته- وشاهد على أحداث مهمة في تاريخ المملكة وتاريخ مجلس الوزراء، إضافة إلى اعتباره معلم عمراني تراثي مميز لمدينة الرياض وليس مبنىً عادياً، ومن هذا المقام أهيب بهيئة التراث مشكورة أن تدلو بدلوها في هذا الجانب وتقول كلمتها بالمحافظة على اسم القصر الأصلي بما أن المحافظة على التراث هو صميم عملها لعله يُؤخذ في الاعتبار أهمية تراث مُسمى القصر ويبقى على اسمه الأصلي المعروف قصر الحمراء، والوثائق المرفقة تمثِّل جزءاً يسيراً مما يمثِّله تراث وتاريخ القصر.