عبده الأسمري
اتخذ سبيله في «الشعر» سبباً..فغاص في بحوره ونال من حبوره..التقت موهبته مع مهارته, وتلاقت همته مع جدارته, فاكتملت «التقاطعات « المعرفية لتشكل «طرائق» اليقين في مسيرته وتكمل «حقائق» التمكين في سيرته..
حصد «ناتج» الأدب من قسمة «الدوافع « على «المنافع» ليكون «سيد» جيله و»سديد» رعيله..
رتّب مواعيد «الإبداع» على أسوار الحداثة حاصداً من أثر «الوراثة» إرث الشعور ومآثر المشاعر مجللاً بتوصيات «أبوية» ومكللاً بوصايا «عائلية « جعلته «الابن» البار للثقافة و»السليل» السار للمعرفة.
إنه الشاعر والأديب أحمد الصالح صاحب اللقب الشهير «مسافر « أحد أبرز الشعراء والأدباء في الوطن والخليج.
بوجه «قصيمي» تسكنه سمات «الفطنة» وتكسوه «تقاسيم» مبهجة قوامها «الجد» ومقامها «الود» مع ملامح تتكامل مع والده وتتماثل مع أخواله, وعينان تعكسان طيبة عميقة وهيبة وثيقة وجسد «نحيل « تكسوه «الأزياء» الوطنية وتعلوه «رسمة « شماغ ثابت «التشكيل « وصوت «ممتلئ « بمفردات «فصيحة « بالغة «الفصاحة بليغة الحصافة تكاد ترى بالبصر ولغة فريدة « المحتوى « عالية «المستوى «تنبع من «مخزون « ثقافي مذهل ولهجة منفردة «القول « متجردة «التحيز «.
قضى الصالح من عمره «عقود « وهو يفرش «ورود « الكلمات ويجهز «ردود « الأبيات ويكتب «الشعر « من أعماق «الأَصالة « إلى آفاق «الحضارة « قاطفاً «ثمار « المكانة الشخصية موظفاً «استثمار « الأمانة الأدبية في خدمة «المعارف « وفي اعتلاء «المشارف « شاعراً وأديباً ووجيهاً حفر اسمه في «سجلات « المؤثرين وأبقى أثره في «مساجلات « المتنافسين..
في عنيزة نبع «السخاء « الأدبي ولد عام 1943 وسط أسرة عريقة وانتشر خبر قدومه السار بين «الجيران « وسكان «المكان «كالعبير الذي ملأ الأنفس بالبهجة.
تفتحت عيناه على والد قارئ نهم حافظ للمعلقات الشعرية موثق للمشاهد التاريخية حيث ظل طفلاً يرتقب مساءات الشتاء الحالمة ليمكث في «حجر « أبيه منصتاً لأشعار حسان بن ثابت وكعب بن زهير والخنساء والتي كان والده يحفظ أجزاء منها وفي سن السادسة بدأ والده في رسم «خارطة « طريقه بعد أن لمس في «شعوره « تعلقاً بالشعر واستشعاراً بالشاعرية فظل يملأ ذاكرته الصغيرة بأمهات الكتب من جواهر الأدب حيث اتقدت حماسته «الفكرية « مع أشعار عنترة بن شداد والمتنبي وأبو تمام, وارتفعت ذائقته الأدبية من قصائد جرير والأخطل, ثم اشتعلت موهبته الذاتية من خلال نصوص إيليا أبو ماضي وأحمد شوقي, وظل ثاوياً في مضامين أبيات امرئ القيس وعمر بن كلثوم, فنشأ بين أحضان «الكتب « وتربي وسط ثنايا «الشعر « واستمر يكمل نهاراته بحفظ «القصائد « واقتناص «العوائد « من «قيمة « بشرية مذهلة تمثلت في شخصية والده التي كانت «الإيحاء « الأول والاقتداء « الباكر الذي ولي الصالح قبلة «أمنياته « شطره..
ارتبط الصالح باستثمار الموهبة الشعرية واستغلال الاتجاهات المعرفية في بيئة أسرته الثرية بالعلوم والآداب فاستمر يعزز «خزينة « المعرفة بأرصدة مبكرة من المهارات والمواهب.
درس تعليمه العام في عنيزة حتى السنة الأولى ثانوي, ثم أكمل دراسته الثانوية بمعهد العاصمة النموذجي في الرياض, وانتسب إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, فحصل على البكالوريوس في التاريخ عام 1964 ثم انتظم في أربع دورات تدريبية في مجال الإدارة والتنظيم, والتحق بعدها في عدة وظائف حكومية تدرج من خلالها في السلم الوظيفي حتى وصل إلى منصب عمل مدير عام للشؤون الإدارية بوكالة الضمان الاجتماعي 1963 ثم تقاعد عام 1997ليفرغ نفسه للأعمال الأدبية..
كتب في العديد من الصحف والمجلات المحلية, ونشر مقالات تحت عنوان غصن زيتون, وكانت أشعاره تنشر باسم مسافر. وشارك في عدد من المهرجانات والندوات والأمسيات الشعرية داخل المملكة وخارجها.
ارتهن الصالح إلى تحفيز داخلي وتنوير وجداني غمر ذاته باكراً وظل يلاحق «بعد نظر « كان يرسم له أبعاد «الدوافع « لذا سافر إلى قاهرة المعز عام 1972 وكان شغوفاً بإنتاج أدباء أرض الكنانة التي كانت قصائدهم «موجهات إبداعية « تحفز المسكونين بالأدب إلى الافتتان بالكتابة فعرض بعض أشعاره المكتوبة بخط يده والمنسوجة بحبر قلبه على الشاعر صلاح عبد الصبور الذي شجعه على إصدار ديوان, فكانت تلك «الشعلة « الأولى التي أضاء بها قناديل « الانطلاق « في دروب «الشعر «
ولأنه مسكون بالمصابرة ومفتون بالمثابرة, اجتمع في مصر بالشعراء أمل دنقل ومحمد إبراهيم أبو سنة وصالح جودت وحسن توفيق ومهران السيد ليتجاذب معهم «خطوط « الابتكار الشعري ويضع أمامهم «حظوظ « الاقتدار الشخصي حيث بدأ بعدها في إعداد الأول عندما يسقط العراف عام 1978.
في «خضم « الاغتراب أقام الصالح كثيراً في «محراب «الأبيات يؤلف «الشعر « ليكون «ألفة « بين الغربة والهوية ويمزج «الكلمات « لتتقاطر عطراً سخياً يوزع «أنفاس « الانبهار على طبق من عجب لمتذوقي الأدب ليرسم «عوالم « من الاندهاش أمام أمنيات «المتلقين «..
لقّب نفسه بمسافر أخرج مكنون «لقبه « عبر «إنتاج « شعري وزعه بعدل فريد على «محطات « حياته واستلهم «إصرار « الذات « ليحتضن «أسرار « الإثبات التي حولها إلى «علانية « يستنتجها «المتيمون « بتحليل «الشعر « في حضرة «الشعور «..
أصدر عدة دواوين شعرية وهي «عندما يسقط العراف «و»قصائد في زمن أسفر « و»انتفضي أيتها المليحة « و»الأرض تجمع أشلاءها» و»لديك يحتفل الجسد» و»تشرقين في سماء القلب» و»عيناك يتجلى فيهما الوطن» و»تورقين في البأساء» و»حديث قلب» و»في وحشة المبكيات» و»عبق الذكريات الجزء الثاني» و» أصطفيك في كل حين» ومجموعة مختلفة وإضافية تحت الطباعة والنشر.
أثرى الصالح بدواوينه وعناوينه «المكتبة العربية « والتي تشكلت كمنابر للمعاني, ومعابر للتفاني, وتحولت إلى هدايا تحمل الفجائية والاستثنائية في مقاييس التنافس ووسط معايير التفوق..
طغت على «قصائد « الصالح حظوة «الألحان « الشعرية وسطوة «الأوزان « الانفرادية وتلحفت بعض «نصوصه « بجلباب «الحداثة « حتى باتت قصائده «وجبات « فكرية يتهافت عليها «النقاد « و»ومضات « تحليلية يبحث عنها «المنتقدون « فظل يمضي باتجاه «أفقه « المسجوع بالسفر إلى «أبعاد « يمتلك أرقامها «السرية « مواجهاً «المدح « بالصمت ومقابلاً «القدح « بالسمت..
أحمد الصالح شاعر قدم من أقصى «الطمأنينة « يسعى حمل «نبراس « العطاء الشعري وأقام « صرح « السخاء الثقافي لينير مسارب «الأدب « بإضاءات «التنوير « وإمضاءات «التطوير»..