د. محمد بن صقر
لعلي أطرح تساؤلاً للقارئ الكريم ليشاركني مدلولات هذا المصطلح الذي أصبح حديث المنظمات الدولية في كيفية محاربته أو القضاء عليه وممارس على المستوى البشري في سلوكياته وخطابه ومعتقداته وهو تساؤل فيه جدلية ذهنية وتحرير من الذات للنظر إليها بشكل أكثر عمقاً وموضوعية هذا التساؤل يتمثل في هل الكراهية بممارستها المختلفة هو في حقيقته (جين أم ثقافة) تأتي نتيجة تراكمات ظروف معينة وأيدولوجيات وسياسات وعقائد وتقاليد أو جين يعد خامدا لدى النفس البشرية وينتظر ما يحمسه ويشعل فتيله ويغذيه ويضخمه ليصبح عقيدة أساسية ومحركا للشعوب والجماهير ليجد طريقه بتصرفات وسلوكيات قد تكون مدمرة للنسيج الاجتماعي أو الوطني أو الدولي فما حصل في الهند من اعتداء على المسلمين أنموذج حي للممارسة الكراهية في أبشع صورها ضد أبناء الوطن الواحد كما أن ساحات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث في وقتنا الراهن أصبح ملعباً وساحة كبيرة للتعبير عن الرأي ونشر الأفكار المدمرة ووسيلة لصناعة وبث الكراهية بكل أنواعها وتصرفاته, إن بعض من كتب وتحدث عن الكراهية في وطننا العربي في اعتقادي جعل مفهوم الكراهية منبعه الفهم المغلوط عن التشريعات الدينية أو التصرفات السياسية الحزبية وفي اعتقادي أن مثل هذا الأمر كان مقصورا على دراسة حالة ليس إلا لأن الكراهية ليست مرتبطة في جغرافية معينة أو عقلية أو جنس بشري دون غيره أو دين يمكن أن نضع عليه اللوم, فكتاب (Why Do People Hate America) لماذا الناس يكرهون أمريكا؟ كتاب منتشر يسعى لشرح فكرة مغيبة في الولايات المتحدة عن الأسباب الحقيقية لانتشار كراهية أمريكا حول العالم. ويركز على السياسة الخارجية الأمريكية والسياسة الاحتكارية. وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء مسألة الكره نجد أن فكرة الكراهية موجودة في العقلية والجين البشري فهي مشاعر في نهاية المطاف وهذا دليل على أن الكراهية جين متواجد كما أسلفنا ولكنها تحاول استخدام وسائل أكثر لانتشارها وممارستها وتبريرها قانونياً أو عقدياً أو حزبيا أو جغرافيا, إن خطاب الكراهية كما أوضح كاي في التقارير الدولية أصبح على الإنترنت كوسيلة من وسائله ويطغى بشكل كبير، والأفراد المهمّشون هم الهدف الأساسي».
ويؤكد كاي في التقرير الذي عرض أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن الدول والحكومات اخفقت في منع خطاب الكراهية وبين أنه لا يقلّ ضررًا عن غيره لأنه يدور في عالم افتراضي، بل على العكس من ذلك، فإنه ينتشر بسرعة ويصل إلى أبعد الحدود ولذا بإمكانه أن يسهم في التحريض ودائما ما يكون الهدف إسكات الغير». إذن نجد أن فكرة الكراهية وجدت ضالتها في وسيلة لإشعال الفتنة بين الجماهير وممكن أن نضيف على تقرير كاي أن ليس فقط الأشخاص المهمشون هم الهدف وإنما الآخر أيًا كان موقعه وأي كان خلفيته فخطاب الكراهية دائماً يخاطب ويجيش الاتجاهات الغرائزية لا العقلية ويحشد الانتماءات الأولية في الجماهير، كالقبلية والطائفية والمذهبية والقومية، والجنسية كذلك التفسيرات المغلوطة للجوانب الدينية وتغذية مشاعر البغضاء فيه. لقد ذكر المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (الثورة الفرنسية وروح الثورات) عن أوهام أولئك الذين يعتقدون أن الإنسان يمكن أن يتغير إلى ما يناقض ماضيه تشكله الثقافي الأول بمجرد وضع قوانين جديدة، وأكد - بدلالة الوقائع اللاحقة للثورة على مدى قرن كامل - أن تجديد المجتمع بالأنظمة والقوانين لا يجدي في ظل ثقافة مناهضة لهذه القوانين، إذ ستنقلب عليها - بشكل صريح أو بالتفاف ماكر، فالنصر في النهاية هو لتلك الثقافة الراسخة الموروثة التي يمتزج فيها المعرفي بالوجداني.
ومن جهة أخرى لا بد أن نفهم أن من يمارس خطاب الكراهية في اعتقاده اللاوعي انه يدافع عن وجوده وعن الخطر الذي يحاول أن يحاصره فهو يحاول تمثيل وجوده وكيانه بغض النظر عن الآخر وعن سحقه له وإذا كان لوبون يعتقد أن الثقافة أو الجين البشري سينتصر حتى لو تم وضع القوانين بأكثر من حيلة إلا أننا نجد أنه يمكن حصره والتضييق عليه وهذا يقودنا إلى تساؤل ثان وهو المهم كيف يمكن أن نحاصر خطاب الكراهية فهو مثله مثل أي فيروس مرضي قد ينتشر ويفتك بالمجتمعات والدول والنسيج الوطني ويمزقه بشكل فظيع والأمثلة والشواهد على ذلك كثير أو قد يحاصر بشكل استراتيجي كوضع سياسات واضحة تقوم على معايير محددة لمحاربة «خطاب الكراهية» وقوانين صارمة تتوافق مع مغذيات الثقافة وللحديث بقية..