صبار عابر العنزي
الظن لفظ قد يشعرنا بالاضطراب، ولكننا على خير الأديان الذي قرر لنا منهج حياة وأمرنا أن نحسن الظن بالآخرين ونبتعد كل البعد عن سوء الظن لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ..}...
وقد ورد «الظن» في القرآن نحو 60 مرة بين اسمٍ وفعل، فالاسم كقوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، والفعل كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ}، وهو خلاف اليقين، وينقسم الظَّن من حيث الحمد والذم إلى قسمين: ظنٌّ محمود وهو ما سلم معه دين الظَّان والمظنون به عند بلوغه، والمذموم ضدُّه، والظنُّ المذموم هو ما تخيلت وقوعه من غيرك من غير مستند يقيني لك عليه، وقد صمَّم عليه قلبك، أو تكلَّم به لسانك من غير مسوِّغ شرعي...
وقد حث عدد من أصحاب الفكر النقي على امتداد العصور على مكارم الأخلاق وحسن الظن فقد أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعنَّ فيه مقالات الرِّجال، ومن حَسُنت علانيته فنحن لسريرته أرجى...
وليس أريح لقلب الإنسان في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي ، وتكدر البال، وتتعب الجسد، لأنه يؤدي إلى سلامة الصدر، ويدعم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاً ولا حقداً إذا أحسنت الظن بالناس وإن كان الأمر يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم...
واستفدت أثناء إعداد هذه المقالة من بعض الكتابات فقد نشر في «رسالة الإسلام» مقالٌ أكد على أن مكائد وألاعيب الشيطان وأوليائه تدور حول الاستحواذ على القلوب ضعيفة الإيمان الغافلة عن التحصن بذكر الله، فينبت فيها إساءة الظن بالغير وتحديث النفس بمعايبه، حتى إذا استجابت أمرها بالتجسس والوقوع في الغيبة والبهتان واستحداث الفضائح وإشاعة الفواحش والمنكرات فمن يُسيء الظن بغيره، ولم يفق ويتدارك موقفه تراه مدفوعاً لتتبع عورات هذا الغير وتفقد زلاته والتنقيب عن سقطاته، فإذا به يعرض نفسه لعذاب الله الذي توعد من تتبع عورات الناس أن يتتبع عوراته، ومن تتبع الله عوراته لحقت به الفضيحة في بيته...
إن راحة القلب وهناءته وسلامته من أذى الأفكار والخواطر المقلقة المكدرة للبال والمؤذية للنفس والمتعبة للجسد تكمن في إحسان الظن بالله أولاً ثم بالناس فإذا تسلل سوء الظن فلا تتبع الهوى وكن له رادعاً ولا تسايره بالتجسس من أجل التثبت، وإياك أن ترتب على الظنون مواقف قد تضر وتسيء إلى الآخر، فإن ذلك من الظلم والإثم وزرع الشقاق بدلاً من الألفة والمحبة والتراحم...
وحسبنا أن سوء الظن من الكلام الذي إذا أصبنا فيه لم نؤجر وإن أخطأنا فيه كان الإثم عظيماً جزاء البهتان والافتراء قال الشافعي رحمه الله «من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس»...
والشعراء دائماً لهم دور إيجابي في نقد الظواهر وسلبيات الأفراد والمجتمعات وكان النقدُ في مراحل ما قبل الإسلام مقتصِراً على آراء الشعراء، التي كانوا يتبادلونها في أسواق الأدب، كسوق عكاظ...
وظلَّ الشعراء يلعبون دوراً أساسياً في نقد أخطأ الآخرين أو تصرفاتهم أو سلوكياتهم، وإنْ كان ذلك على نحْو ٍغير مباشر أو مباشر كما في البيتين لأمير الشعراء أحمد شوقي..
ساءت ظنون الناس حتى أحدثوا
للشك في النور المبين مجالا
والظن يأخذ من ضميرك مأخذا
حتى يُريك المستقيم محالا