رؤية - خالد الدوس:
لا شك أن الفكر الاجتماعي الذي ينتج الابتكار الاجتماعي بهدف إحداث التغير.. أحد جوانب المسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتق الجميع، أفراداً ومؤسسات رسمية وغير رسمية، ويلعب الشباب دوراً في إحداث التغير الاجتماعي المنشود فلا بد من الاهتمام بتنمية قدراتهم وريادة الأعمال لتطوير أفكارهم الرامية إلى تحقيق التغيّر الاجتماعي عبر تحويلها إلى مشاريع ذات جدوى اقتصادية وقابلة للتنفيذ والتطبيق، وليس ضرورياً أن يكون الابتكار مادياً، بل ربما يكون خدمة متميزة, أو أسلوب عمل جديداً, والابتكار أنواع ومنه المؤسسي والعلمي والتقني والاجتماعي.. والأخير هو لب الموضوع الذي تحدث عنه بعض رواد علم الاجتماع في كتاباتهم. ويعني ممارسات اجتماعية جديدة تهدف إلى تلبية الاحتياجات الاجتماعية بطريقة أفضل من الحلول الموجودة.
وعبر هذه النافذة الثقافية نسلط الضوء على أهم معطيات كتاب (الابتكار الاجتماعي) خطوات واعدة نحو المستقبل، للمؤلفة أ. د. غادة عبدالرحمن الطرّيف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
يتناول هذا الكتاب «الابتكار الاجتماعي» كأحد الموضوعات الحديثة والمهمة التي تتجاوز الفهم التقليدي لمواجهة المشكلات الاجتماعية القائمة من خلال إيجاد حلول مبتكرة تخرج عن الطرق المألوفة لمعالجة المشكلات الاجتماعية، وقد يتمثّل ذلك في إطلاق مبادرة أو فكرة غير مسبوقة.
يضم الكتاب عدداً من الفصول التي تعرض مفاهيم الابتكار، وثقافة الابتكار, والتغير الاجتماعي، ويربط الكتاب بين الابتكار والتنمية المستدامة.. فالابتكار جزء لا يتجزأ من أهداف التنمية المستدامة التي تركز على الصناعة والابتكار والبنية التحتية، بهدف إحداث التوازن بين نمو الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والمساواة والحماية البيئية بطريقة جديدة ومبتكرة بيئياً لضمان حياة صحية أفضل وتعزيز الرفاهية للجميع، مع عرض للجهود العالمية والعربية في مجال رعاية الابتكار، فالمبتكرون هم الثروة البشرية لأي مجتمع، وكنز يحتاج إلى اكتشاف وقوة تحتاج إلى تنمية وتدعيم، لذا وجب إعدادهم وحسن استغلال طاقاتهم فيما يفيد المجتمع لتحقيق التقدم المنشود.
ففي الفصل الأول تحدثت المؤلفة عن الابتكار(مفهومه, وأنواعه, وخصائصه, وفوائده, وصفات المبتكر, وأهميته الابتكار والعوامل المثرة في الابتكار, كما تحدث هذا الفصل عن مزايا الابتكار الاجتماعي وعناصره وسماته الأساسية وأسباب ظهور الابتكار الاجتماعي بجانب المشكلات التي يعالجها الابتكار الاجتماعي, كما تناول في هذا السياق الابتكار في الإسلام ومنهجية إدارة الابتكار الاجتماعي, مع دلالات القرآن والسنة على تشجيع التفكير والابتكار، أما الفصل الثاني فقد استعرض التغير الاجتماعي (أنواعه ومعوقاته وخصائصه وأهدافه, بالإضافة إلى عوامل التغير الاجتماعي, كما تناول هذا الفصل التغير التنظيمي المؤسسي (أهدافه وإدارته ومراحله وأنواعه, ومناقشة التغير وعلاقته بالبيئة المحيطة, وأيضاً التمييز بين التغيير والابتكار وأثر التغيير على عملية الابتكار في المؤسسة مع تناول مجموعة العوامل الاجتماعية والثقافية المؤثرة في الابتكار, ومصادر التغير الاجتماعي, وكذا المتطلبات والمقومات التي تقتضيها غرس ثقافة التغيير. في حين عرج الفصل الثالث إلى تناول الشباب والابتكار الاجتماعي (مصطلح الشباب وخصائصهم وحاجاتهم ومفهوم الحاجات, وتصنيف الحاجات للشباب ووسائل وشروط إشباع الحاجات الإنسانية, واكتشافهم ودوافع السلوك الابتكاري عند الشباب, وعلاقة البيئة المدرسية بابتكار الطلاب, كذا تطوير وتربية الإبداع والابتكار بين الشباب, دور المعلم في تنمية التفكير الإبداعي بين الشباب, وأنشطة تنمية التفكير الإبداعي بين الشباب إلى جانب خصائص المعلم وعلاقته بالأنشطة الابتكارية. مع مناقشة أهمية تطوير البيئة الجامعية الداعمة للإبداع والابتكار مع طرح نماذج لمؤسسات راعية للموهوبين والمبتكرين, ونماذج لمؤسسة تربوية لرعاية المتفوقين والمبتكرين في روسيا, ونموذج لبرنامج إثرائي للأطفال المتفوقين عقليا في بريطانيا, وكذلك نماذج لابتكارات الشباب في المملكة العربية السعودية, أما الفصل الرابع فقد استعرضت المؤلفة الابتكار والتنمية المستدامة (تعريف التنمية المستدامة, وأهداف وأخلاقيات) الابتكار الاجتماعي وعلاقته بالاستدامة, في حين عرج الفصل الخامس على مفهوم وأنواع وعناصر وأهمية وأبعاد ومعايير قياس المسؤولية الاجتماعية وكذلك المسؤولية في الإسلام والمسئولية الاجتماعية والتنمية المستدامة, ومناقشة مفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات ومبادئها ودورها على الأداء المالللشركات مع عرض الابتكار مسؤولية اجتماعية في ضوء رؤية المملكة 2030. أما الفصل السادس تطرق إلى الجهود الدولية والعربية في مجال رعاية الابتكار متضمناً مقومات ومراحل الابتكار والإبداع، وشروط تنمية الابتكار، مع استعراض العديد من التجارب في هذا الاتجاه منها التجارب العالمية والعربية في مجال الابتكار والتجربة اليابانية والكورية، وتجربة المملكة العربية السعودية في اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبتكرين. خاصة وأن الابتكار هو الأساس لاقتصاد المعرفة القادر على توليد وتوظيف المعرفة ودمجها في منظومة الإنتاج وتحويلها إلى قوة منتجة لتحقيق التنمية المستدامة وهو ما يعد أحد أهم مستهدفات برنامج التحول الوطني لرؤية المملكة الطموحة 2030 .
الكتاب إجمالا يعد إضافة علمية في المكتبة العربية للعلوم الاجتماعية وتراثها الأصيل يظهر وبجلاء الخبرة الأكاديمية الرصينة، والعمق المعرفي، والحس السوسيولوجي للمؤلفة التي قدمت هذا الكتاب على أسس من المفاهيم العلمية, والأطر المنهجية السليمة، والأفكار الأساسية والمهمة في خارطة علم الاجتماع الابتكاري.