«الجزيرة» - كتب:
في كتاب يقرب الفلسفة في سياق يتجاوز ضيق التعاريف والممارسات الجامدة، صوب سعة التوصيفات والاستدلالات المتفاعلة مع الراهن والمستقبل، يقدم الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البريدي أستاذ السلوك التنظيمي ومشرف برنامج دكتوراه الفلسفة في إدارة الأعمال بجامعة القصيم كتابه (كينونة ناقصة - أحد عشر سؤالاً في قراءة الفلسفة) لينظم إلى سلسلة كتب د. البريدي العلمية والثقافية والفلسفية.
وقد جاء الكتاب الجديد (كينونة ناقصة) في 399 صفحة وضم أحد عشر فصلا بدأها بثلاثيات ما قبل القراءة وفئات القراء، ثم انتقل في الفصل الثاني إلى ماهية القراءة وتوصيفها ومهاراتها، قبل أن يتعمق في التعريف بالفلسفة وحقبها التاريخية ،ونصوصها، وأسباب وكيفية قراءتها وذلك في عدة فصول وأبواب.
ليتنقل بعد ذلك بين أثر الفلسفة على الدين، والفرق بين الشك والنقد، ويختم المؤلف في الفصل الأخير تساؤلاته بماذا بعد القراءة في الفلسفة.
ويتحدث الدكتور عبدالله البريدي في مقدمة كتابه عن القراءة بمفهومها العام فيقول: إنها المحرك الأكبر للتغيير الإيجابي والمحرض الأخطر على الحراك النهضوي الحضاري في أي مجتمع إنساني. فالقراءة لا تقلّل من «الفجوة المعرفية» على المستوى الفردي والمجتمعي فحسب، بل تجهزنا بقدرات كافية لاستغلال هذه المعرفة لتحقيق أهدافنا والوصول إلى مرامينا، بأنجع وسيلة وأقل كلفة، وهذا الأثر الإيجابي لا يتحقق بقراءات عابرة فاترة.
ويضيف الدكتور البريدي :هذا الكتاب يقرب الفلسفة في سياق يتجاوز بنا ضيق التعاريف والممارسات الشكلانية والجامدة والخائبة، صوب سعة التوصيفات والمنهجيات والاستدلالات والمقاربات والتفلسفات الفعالة المتألقة المتفاعلة مع الراهن والمستقبل. وكأنه يقول لنا: هذه هي الفلسفة، فلنفك شفرات قراءتها شفرة شفرة، ولنتبين مسارب تخصيبها؛ فكراً وتطبيقاً. في هذا الكتاب تجربة قارئ فلسفة لفترة ثنيف على الثلاثين عاماً، فيقدم عصارتها ومستحلب فعاليتها تجاه الفلسفة قراءة وتثميراً؛ في قوالب تتجافى عن سذاجة الأدلة العملية، كما هي عادة بعض الكتب التطويرية التي تصف باقة من التوجيهات المباشرة في رفوف: افعل، ولا تفعل. موضحا: كتابنا ليس من هذا القبيل، على أنه لا يغفل الجانب التطبيقي أو العملي، غير أنه يعالج ذلك في سياق مقاربات تنظيرية أكثر عمقاً وتكاملا، جاعلاً التنظير مؤثثاً للتطبيق، والتطبيق مثمراً للتنظير.
ويشير الدكتور عبدالله البريدي إلى أن هذا الكتاب يصلح لفئات عديدة من القراء، ومن بينهم من قرأ في الفلسفة منذ وقت قريب، ويفكر في الاستمرار، مع وجود قدر من الصعوبة أو الملل أو التشتت أو الغموض أو الالتباس حيال جانب أو آخر في هذه القراءة، أو أنه يفكر في التوقف عنها لأسباب بدت بعضها واضحة وبعضها الآخر مبهمة، أو أنه بات لا يدري بالضبط ما يفعل تجاه ذلك. وهذا الكتاب ملائم أيضاً لمن لم يقرأ ألبتة في الفلسفة، ويفكر في خوض غمارها، ولكنه متردد بعض الشيء، لكونه قد سمع ماعساه يرده أو ينفره عنها من مفكر أو من صديق أو من عابر فكر أو سمع غائر شعور، أو أنه لم يفكر في هذا اللون من القراءة، ووجد أن عنوان الكتاب قد نبهه إلى شيء لم يرعه اهتمامه من قبل. وهذا الكتاب قد يصلح أيضاً لمن قرأ في الفلسفة كثيراً، ورام أن يقارن تجربته بتجربة قرائية أخرى، مستكشفاً نقاط التشابه ونقاط الاختلاف، وجاعلاً من النص منصة للتحسين في جانب قرائي أو آخر، ومتكئاً لشراكة في مسارات تفعيل المقروء الفلسفي بطريقة أو بأخرى.
وأشار: في كل الأحوال، أرجو أن يعين الكتاب أمثال هولاء القراء على استجلاء الصورة أكثر، وتكوين اتجاهات قرائية ملائمة لدى القارئ وفق مقاساته الفكرية وأذواقه النفسية، والظفر من ثم بخريطة قرائية واضحة، بما يعظم الانتفاع من المقروء الفلسفي وغيره، وبخاصة أن الكتاب يتجاوز فرضية حتمية القراءة في الفلسفة، أي: أنه يجتاز بوعي تام جميع الأطاريح الموجبة للقراءة الفلسفية في كل حال، والتي من شأنها تعزيز ما يمكننا وصفه بـ استبدادية الفلسفة؛ إذ هو لا يقر من حيث المبدأ وجوب القراءة فيها، بل يفضل في ذلك ويميز بين حالات وحالات، وغايات وغايات، وذهنيات، ولو كان الكتاب متبنياً لشيء آخر غير ذلك، لكان جاحداً لمنهج الفلسفة ذاتها، مغتالاً لروحها؛ إذ هي في جوهرها تحليق ذهني حوام حول الحقيقة أو العلة أو الأصل أو المعنى، بأي منهج أو مقاربة أو حقل أو لغة كانت، مما يعني أننا بذلك الرفض لاستبداد الفلسفة من جهة قراءتها، إنما نؤمن بها ونلتزم بتعاليمها وننبثق من روحها وننميها، ولو كان ذلك بالابتعاد عن القراءة المباشرة في أدبياتها، ومن شواهد ذلك على سبيل المثال: ظهور نسق القراءة الأدبية المتفلسفة.
وأوضح د. البريدي أن القارئ سيتعرف في فصول الكتاب على هذا الشاهد وأمثاله وسيستبين زواياه وحيثياته.
في كل فصل مقاربة لسؤال رئيس من الأسئلة حول القراءة الفلسفية وكيفية تفعيل المقروء الفلسفي وتثميره، على أن المعالجة التحليلية المعمقة اقتضت في حقيقة الأمر التشابك مع عشرات الأسئلة التفصيلية. بعضها نجيب عنها بقدر من التفصيل والتمثيل، وبعضها نخصها برسائل مكثفة مكبسلة، وبعضها الآخر نكتفي بطرحها وتوريط القارئ بها.
مبيناً د. البريدي أن الكتاب صيغ في أكثر أجزائه بلغة ميسرة، وبأسلوب يناسب غير المتخصصين أو غير المتعمقين بعد في الحقل الفلسفي، مع الحرص على الإفادة من آراء كبار المنظرين في المسائل الفلسفية المختلفة، والتعويل على نتائج الدراسات العلمية الرصينة في أبوابها، في سياق يفعلها بقالب عملي تطبيقي، حيث يمزج الكتاب بين الجانب التنظيري والجانب التطبيقي، ويجعل المعالجة مختصرة ومكثفة حول الأبعاد الرئيسة مع إشارته إلى مراجع محورية، يمكن للمستزيد أن يرجع إليها، ويعمق النظر أو المقاربة عبرها، كما أنه يناقش المسائل المطروحة بقالب متسلسل عبر فصول، يمهد أولها لتاليها؛ بطريقة تحدث تراكمية في الفهم والاستخلاص للنتائج والتكوين للمهارات التي يمكن للقارئ أن يخرج بها.