د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
شرفني ابننا الفاضل الباحث القدير الأستاذ إبراهيم حميدان مفرح المطيري بتقديم كتابه الرائد «جهود عوض القوزي في المصطلح النحوي»، وهو في الأصل رسالة ماجستير تقدم بها عام 1441هـ/ 2019م إلى جامعة طيبة في المدينة المنورة، وكانت بإشراف الدكتور يوسف عبدالله الجوارنة.
وقد أحسن الباحث اختيار موضوع بحثه وهو درس المصطلح كما عرضه الأستاذ القدير الدكتور عوض بن حمد القوزي، -رحمه الله - الذي استهل حياته العلمية بدرس المصطلح، والباحث بدرسه المصطلح يكاد يطيف بالدرس النحوي بعامة حين يدرس مفاتيح علم النحو وهي المصطلحات.
لم يستعرض الباحث عمل القوزي استعراض تقرير ووصف ساذج بل نظر في عمل الأستاذ نظرة الباحث المدقق المتعمق بقراءة ناقدة ظهرت في أثناء عمله وموازناته التي عقدها بين عمل الأستاذ وعمل غيره. فأجده يراجع شواهد الأستاذ لينبه على ما لا يصح الاستشهاد به من مثل قوله «أما ما رواه القوزي على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم فحديث مكذوب، لا يصح الاستدلال به».
وهو على موافقته الأستاذ في كثير من الأشياء نجده يخالفه مخالفة صريحة كما في قوله «فساد ما ذهب إليه القوزي ومهدي المخزومي، في كون مصطلحات الصرف والخلاف والخروج انتزعت من كلام الخليل؛ عند حديثه عن المستثنى بعد إلّا».
وسيعجبك من الباحث ظهور شخصيته وشجاعته في المناقشة والمراجعة والاستنتاج والخلوص إلى رأي؛ ولكنك ربما توقفت في بعض ذلك، نحو قوله «والمتأمل في تعريف سيبويه، يجد أنه قسمها إلى ماضٍ، ومثّل له بذهب وسمع ومكث، وإلى ما لم يقع، ومثّل له بأفعال أمر، كاذهب أو مخبرًا، ومثّل بفعل مضارع كيقتل. وعليه فإن فعلَي الأمر والمضارع قسم واحد عند سيبويه. وهذا في نظري دفع الكوفيين إلى جعل فعل الأمر مقتطعًا من الفعل المضارع، مستفيدين من تقسيم سيبويه». والتأمل الحق لنص سيبويه يظهر لنا أن الباحث ليس دقيقًا في النقل عن سيبويه؛ إذ النص «فأما بناء ما مضى فذَهَبَ وسَمِعَ ومَكُثَ وحُمِدَ. وأما بناء ما لم يقع فإنّه قولك آمِرًا: اذهَبْ واقتُلْ واضرِبْ، ومخبرًا: يَقْتُلُ ويَذهَبُ ويَضرِبُ ويُقْتَلُ ويُضرَبُ»، فسيبويه يتحدث عن أزمنة الفعل: فهناك فعل مضى زمن حدوثه ووقوعه، وهناك زمن لم يمض ولم يقع زمن حدوثه، فالمضارع والأمر مشتركان في الزمن ولكنهما ليسا سواءً في البناء الصرفي، الذي بينه بأن مثّل لأبنية الفعل الثلاثي حسب الاحتمالات الرياضية؛ إذ الفعل مفتوح العين أو مسكورها أو مضمومها، وأضاف إلى ذلك بناء ما لم يُسمَّ فاعله، وكذا أبنية الأمر والمضارع، وكون المضارع والأمر مختلفين أمر أطبق عليه البصريون خلافًا للكوفيين، ولم يقل الكوفيون بأن الأمر مقتطع من المضارع عن قول سيبويه؛ ولكن بملاحظتهم الذكية تطابق البنية الصرفية؛ إذ وجدوا الفرق بين الفعلين أحرف المضارعة في المضارع وخلو الأمر منها.
ومن المواطن الداعية للتوقف قوله «الثاني: أن مصطلح (لا التبرئة) فيه إشعار بأن ثمة متهمًا، وهذا غير وارد في الأمثلة التي ساقها، كما أن مسمى (لا التبرئة) لا ينطبق على جميع الأمثلة المضروبة، ففي قولهم: (لا رجل في الدار)؛ لو سلمنا بحقيقة أنها نفت الجنس وبرأته، فهل يقولون في مثل (لا بخيل محمود): إنها نفت جنس البخلاء من تلبسهم بالحمد؟ فكيف لـ(لا) أن تبرئهم؟». وواضح أن الباحث غفل عن مرادهم من التبرئة وهو مطلق النفي والخلو.
والغالب في عمل الباحث هو مناقشة المصطلحات التي عرض لها القوزي، وهذا ظاهر من مطالب الكتاب؛ إذ لا نجد عنوانات تعالج مصادر القوزي ولا لغته ولا مصطلحاته هو نفسه.
ومهما يكن من أمر فسيجد القارئ أن الباحث بذل جهدًا في القراءة والتحليل والتعليق معتمدًا في ذلك على مهارات عالية جعلت لغته تتسم بقدر عال من السلامة اللغوية مع وضوح والتزام بالصياغة العلمية، وأسعده في عمله هذا اعتماده على طائفة كبيرة من المصادر والمراجع التي أحسن الاستفادة منها وقراءة ما ثقفه منها قراءة ناقدة.
لا شك أن قارئ هذا الكتاب إن قبل به أو توقف في بعض جوانبه سيستفيد منه فائدة جليلة، وسيقدر للباحث جهده ووفاءه لعالم قدير مثل الأستاذ الدكتور عوض بن حمد القوزي - رحمه الله.