قضايا متعددة تناقشها رواية «إبادة» التي صدرت في حوالي (750) صفحة، إذ إنها الرواية الثامنة للروائي الفرنسي المعروف والمثير للجدل ميشيل ويلبيك، الحائز على جائزة غونكور لعام 2010م عن روايته «الخريطة والأرض». تُمهّد رواية «إبادة» للإثارة السياسية التي تستبق أحداث عام 2027م. تحكي الرواية قصة بول رايسون الذي تخرّج في المدرسة الوطنية للإدارة. يبدو أنه في منتصف الخمسين تقريبًا ويعمل مع برونو جوج وزير الاقتصاد والمالية الذي يدعّم مقدم البرامج التلفزيونية السابق مرشح الأغلبية للانتخابات الرئاسية. في الوقت نفسه، يتابع بول عن كثب الهجمات التي وقعت في مختلف أرجاء العالم والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ويصعب على العاملين في المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي فك طلاسمها الغامضة. إن العالَم الذي تحكي عنه رواية «إبادة» لا يمكن أن يتّصف بأنه العالَم الأفضل.
ففي هذه الرواية يصف ميشيل ويلبيك هذا العالَم بأنه عالَم يتسم بالكآبة والإحباط، ومع ذلك تنبعث من رحِمِه أوقات تغمرها الرحمة والسعادة لتنتشر بعد ذلك في كل مكان ضمن مسارات تحددها شخصيات الرواية تحت ستار المحبة. الشخصية الرئيسة في رواية «إبادة» يُدعَى بول متزوج وليس لديه أطفال، لم يعد يتقاسم مع زوجته برودنس أي شيء باستثناء شقتهما في الحي الثاني عشر في باريس حيث يوجد لكل منهما غرفته الخاصة ورفّ في الثلاجة، ستتقلص هذه العلاقة بينهما حتى تصل إلى اللا شيء. ومع ذلك فإن الأرض التي بقيت لفترة طويلة جدباء سوف يَنبت الحب فيها مرة أخرى. سيولد الحب من جديد وستنبعث حياة سعيدة لكنها حياة تصاحبها رائحة الموت الذي سيصبح فيما بعد المحور الرئيسي لرواية «إبادة».
مفهوم المحبة عند ميشيل ويلبيك جعله يتطرّق إلى عناصر ثانوية: فوالد بول، الأرمل وعميل المخابرات السابق سيتزوج من مادلين التي تنتمي إلى طبقة اجتماعية شديد التواضع. سيكتشف شقيق بول الأصغر أوريليون أنه يحب ممرضة مسؤولة عن رعاية والدهم الذي كان يعاني من علاقته السيئة مع زوجته الصحفية. أما عن سيسيل، الأخت الكبرى، فقد استمر زواجها لسنوات عديدة مع هيرفي كاتب العدل والعاطل عن العمل والمقرّب من الأوساط الكاثوليكية اليمينية المتطرفة.
أما عن قضية الموت في هذه الرواية، فتبدو أمراً حتمياً كلما تقدم العمر. إن الموت الذي يتحدث عنه ميشيل ويلبيك يجعل من هذه الرواية الجديدة عملا مؤثرا للغاية، إذ أن الأمر يتعلق بمرحلة عمرية محددة. ولأن ميشيل ويلبيك مهتم بثنائية الحب والموت فإنه يعتبرهما أداة لفهم التجارب الإنسانية. ولهذا نجد ميشيل ويلبيك يتطرق في هذه الرواية للعديد من الموضوعات الحياتية نذكر منها على سبيل المثال: الخضروات الخضراء والسياسة والبطالة والهندوسية والدبلوماسية والمستشفيات والانتحار والعلاقات الزوجية والتكنولوجيا الجديدة والطبيب الأسكتلندي كونان دويل وأوروبا والمهاجرون وبلاك بلوك وحقبة الثلاثين المجيدة والزيوت العطرية والمناطق شبه الحضرية والأسرة والعناية بالأسنان وعِلم الأعداد والقتل الرحيم ونهاية الرأسمالية والطاقة النووية وشيخوخة أوروبا.
من الصعوبة بمكان إجراء جرد للموضوعات التي تتطرّق إليها هذه الرواية. وهكذا يواصل ميشيل ويلبيك رسم صورة للمجتمع المعاصر كما كان يفعل الروائيون في القرن التاسع عشر، إذ إنه يربط بين جميع العناصر التي تتشكّل منها حياة البشر اليومية. ومن أجل توفير العناصر اللازمة لنجاح روايته، يلجأ ميشيل ويلبيك إلى خاصية التوثيق. ففي هذه الرواية يدوّن ميشيل ويلبيك ملاحظاته بشكل انسيابي وعفوي.
** **
أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري
@2781Ayman