أَلْفُ سُورٍ، كُلَّمَا جَاوَزْتُ سُورًا، لَاحَ سُورٌ قَامَ سَدُّ
أَلْفُ بَحْرٍ، كُلَّمَا صَارَعْتُ مَوْجًا، جَرَّنِي لِلشَّطِّ مَدُّ
أَلْفُ قَيْدٍ كُلَّمَا حَطَّمْتُ قَيْدًا، جَاءَ سَجَّانٌ وَقَيْدُ
وَمَضَى الْعُمْرُ سَرَابًا بَيْنَ آمَالٍ تُوَارَى... أَوْ تُرَدُّ
كُلَّمَا هَيَّأْتُ جِسْرًا، زَالَ جِسْرٌ هَزَّنِي شَوْقٌ وَوُدُّ
كُلَّمَا أَطْفَأْتُ نَارًا ثَارَ فِي الْأَضْلُعِ إعْصَارٌ وَرَعْدُ
كُلَّمَا فَارَقْتُ سُهْدًا، جَدَّ وَجْدٌ سَكَنَ الْعَيْنَيْنِ سُهْدُ
كَمْ تَعِبْنَا، كُلَّمَا فَارَقَ دَمْعٌ، يَسْتَرِدُّ الدَّمْعَ خَدُّ
كُلَّمَا قُلْنَا اِرْتَحَلْنَا عَنْ هَوَانَا طَيَّبَ الْخَاطِرَ وَعْدُ
وَحَيَاتِي فَصْلُهَا شَكٌّ وَفَصْلٌ لَيْلُهُ بُعْدٌ وَصَدُّ
كَيْفَ أَنْسَى عَهْدَ حُبٍّ كَانَ حُلْمًا أَيْنَ مِنْهُ الْيَوْمَ عَهْدُ؟
إيهِ يَا سَاكِنَةً قَلْبِي ضِرَامًا قَدْ سَبَا عُمْرِيَ وَجْدُ
كُلُّ هَذَا الْكَوْنِ فِي عَيْنَيْكِ حُسْنٌ وَبِنَفْسِي يَسْتَبِدُّ
كَيْفَ أَسْلُو مِنْكِ ثَغْرًا، بَوْحُهُ طِيبُ الشَّذَى وَالرَّيقُ شَهْدُ
إِنْ عَشِقْتُ الْحُسْنَ أَنْتِ الْحُسْنُ عِنْدِي لَا يُضَاهَى فَهْوَ فَرْدُ
وَهْوَ فِي عَيْنَيْكِ كَوْنٌ سَاحِرٌ فِيهِ الْمَعَانِي لَا تُعَدُّ
وَهْوَ فِي حُزْنِكِ شَجْوٌ وَهْوَ فِي سَعْدِكِ أَنْغَامٌ وَوَرْدُ
وَهْوَ فِي حُبِّكِ لَحْنٌ يَسْتَبِينِي فِيهِ إِيقَاعٌ وَرَدُّ
وَهْوَ رَوْضٌ يَتَنَامَى فِي كِيَانِي فَوْحُهُ نَدٌّ وَرَنْدُ
وَهْوَ فِي جِيدِكِ رِيمٌ لَفْتَةٌ تُغْرِي وَأَحْلَامٌ وَصَيْدُ
وَهْوَ فِي غُصْنِكِ مَيْسٌ وَهْوَ فِي صَدْرِكِ آهَاتٌ وَوَقْدُ
وَهْوَ فِي رُوحِكِ نُورٌ رَقَّ لُطْفًا جَوْهَرٌ يَخْفَى لِيَبْدُو
كَيْفَ أَنْسَى كُلَّ عُمْرِي؟ كُلُّهُ أَنْتِ: جُنُونٌ لَا يُحَدُّ!
** **
- عبد العزيز محيي الدّين خوجة