د. عبدالحق عزوزي
استضاف المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، المتميز والمتنوع في انتماءاته وكفاءاته، النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية في موضوع «العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة» وذلك في مدينة مراكش المغربية، بمشاركة عدد من مراكز الدراسات والبحوث العلمية وقادة الرأي والمختصين من مختلف الدول العربية، بعد الدورات التسعة الأولى الناجحة التي كانت قد عقدت بعدة مدن عربية. وكنت قد ألفت منذ سنوات كتيبا في الموضوع أصلت فيه لعاصفة الفكر التي نحن بحاجة إليها، وهي التي تكون مدفوعة بروح النقد والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات والأسئلة الخاطئة والفاشلة والتقابلات العميقة، وهي التي توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية لبناء نظام عقلاني تنويري عربي جديد ونظام معرفي وهاج يبعث الحياة في العقل العربي....
وقد تميزت الجلسات بتحليل عميق وشامل للأوضاع العربية والعالمية، وقام المشاركون ببلورة ما يجب أن يكون استراتيجيا لأن غرض الاستراتيجية هو ترجمة الغرض السياسي (الهدف الوطني، والمصالح القومية، ودليل السياسة) إلى تأثيرات تشكل البيئة الاستراتيجية على النحو المفضل. وهي شاملة في نطاق رؤيتها ومحدَّدة في حقل تنفيذها. فالاستراتيجية تُعنى بالمستقبل، وتحليل المشكلات وتجنبها، وتؤدي هذه المهمة من خلال تقويم دقيق للبيئة الاستراتيجية لتحديد وانتقاء العوامل الاستراتيجية الأساسية التي يجب أن تعالَج لخدمة مصالح الدولة بنجاح. ومن خلال تحليل هذه العوامل وتقويمها، فإن الاستراتيجية تُنتج بياناً معقولاً يتضمن الغايات والطرائق والوسائل التي تخلق تأثيرات تؤدي إلى المستقبل المنشود. وبذلك، فإن استراتيجية مثل هاته اللقاءات التي تجمع كوكبة من المتبحرين في علوم شتى تخدم هدف المصالح العليا للبلدان، وتضمن المرونة والقدرة على التكيف، وتضع الحدود من أجل التخطيط السليم.
وقد خرج ملتقى مراكش بتوصيات هادفة من بينها: ضرورة قيام دول عربية محورية من تحريك العمل العربي المشترك وقيادة السفينة العربية في عالم مطبوع بخاصيات أربع: الغموض، والتوجس والمجهول واللايقين يحتم على الدول العربية وضع استراتيجيات مشتركة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني وكذا آليات فعالة من أجل بلورة مواقف موحدة تخدم مصالح الدول العربية وتعزز مواقفها وتموقعها الاستراتيجي أمام القوى العظمى الحالية والمستقبلية، وكذا الصمود في وجه تدخلاتها واختراقاتها؛ إنشاء هيئة عربية عليا يكون من مهامها وضع مقترحات للتقارب بين الحكومات، ولتقويض الشرخ «العقائدي-الإيديولوجي»، وتقديم اقتراحات في هذا الصدد، تكون قادرة على بناء الأسرة العربية الموحدة؛ إبرام اتفاق عربي لفض النزاعات العربية بالطرق السلمية لا يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، ولكن لا يخضع لتأثيرات سلبية من قبل أعضاء في المنظمة العالمية. وفي هذا النطاق يجب تبني مقاربة جديدة للتصدي للتهديدات الأمنية، ترتكز على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز التعاون الإقليمي على أساس مبدأ المصير المشترك والحفاظ على الثوابت وأسس الوحدة الترابية لكل بلد عربي؛ تطوير استراتيجيات جديدة في الدول العربية تتلاءم مع التحديات الأمنية المستجدة في العصر الرقمي بما يحمله من تغيرات في حسابات القوى وزيادة التركيز على الأمن السيبيراني باعتباره مرتبطا بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي وتعزيز قدرات العالم العربي على إنتاج أسلحة السيبيراني تمكنه من تحقيق أهدافه في الفضاء الافتراضي- السيبيراني؛ تفعيل التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية لخلق أسواق أكثر فساحة وبلورة استراتيجية لخلق سلاسل القيمة الإقليمية، وكذا إنجاز برامج اقتصادية مشتركة من قبيل مشروع مارشال عربي يشمل قطاعات مختلفة ويساهم في جمع الشمل العربي وفي تحسين تموقع الدول العربية في سلاسل القيمة العالمية؛ تكثيف التعاون من أجل بناء اكتفاء ذاتي عربي وتحقيق السيادة في المجالات الاستراتيجية الحيوية مثل:
- الأمن الغذائي والمائي؛ مما يترتب عنه ضرورة معالجة ندرة المياه وتحصين الأمن الغذائي بالعمل العربي المشترك.
- الأمن الصحي بما في ذلك إنتاج الأدوية واللقاحات؛ وفي هذا الصدد، أشاد المشاركون في الندوة بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاحات الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في شهر يوليوز 2021 والذي سيساهم في تحقيق السيادة اللقاحية على المستوى الوطني والإقليمي.
- التطور العلمي والتكنولوجي والصناعي.
- الطاقات المتجددة، ومصادر الطاقة الوطنية.
ولعل أهم ما يمكن الدعوة إليه وتبنيه، هو تحويل مبادرات التحالف إلى تكتل استراتيجي شمولي لضمان الاستمرارية المستقبلية، وذلك من خلال التأكيد على أهمية تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والأمنية على مستوى شعوب التكتل، وعلى تعميق التعاون الأمني، وعلى إيجاد سوق مشتركة لتنمية العلاقات الاقتصادية في عالم موسوم بالغموض، والتوجس والمجهول واللايقين.