علي الصحن
تناقض البعض في الشارع الرياضي يستحق أن يضرب به المثل، والمتناقض هو العدو الأول للحقيقة، كونه يريد أن يخالف الرأي ليثبت موقفه ويؤكد رأيه دون النظر إلى ما قاله في الأمس، وما يتوقّع أن يقوله في الغد، ويمكن أن يأتي التناقض لأسباب أخرى، منها مجاملة شخص آخر، أو بسبب الثقافة وضعف الوعي وإدراك أهمية الثبات على الرأي ما دام قائماً عن قناعة تامة، أو كونه من الآراء القابلة للتغير حسب طبيعة الحال مثل الرأي بمستوى لاعب معين فربما تحكم عليه بأنه سيئ اليوم، ثم تشيد به في الغد، لأنه قدم ما استحق عليه الإشادة بالفعل، وربما يأتي التناقض من أجل تحقيق مصالح معينة، سواء مصالح مادية أو معنوية، فمثلاً قد يتحدث شخص عم موضوع معين في أحد البرامج الرياضية، ثم يخرج بعد يومين لينسف هذا الرأي ويقول نقيضه تماماً في برنامج آخر، والسبب لكونه يتبع هوى المذيع أو القناة ويعرف توجهها وما تريد منه، فيسايرها لضمان استمرارية الظهور والحضور دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، وأحياناً يأتي التناقض كردة فعل لموقف معين، فيقول الشخص ما يخالف رأيه وربما يصر على ذلك، لكنه لا يتأخر في العودة إلى موقفه الأصيل بعد زوال أثر ردة الفعل وتبصّره في الموقف والنظر إليه من كافة الزوايا.
في الشأن الرياضي يبرز التناقض في صور متعددة إن في قرارات إدارات الأندية أو في أحاديث الإعلاميين والمتابعين في وسائل الإعلام تقليديها وحديثها، فمثلاً أحد الأندية يصر على الحكام المحليين في مواقف معينة، ويؤكّد ثقته التامة بهم، لكنه في الواقع ينحاز إلى طلب حكام أجانب في معظم مبارياته، بل إنه يشيد بالحكم المحلي في بيان ويطالب بالأجنبي في بيان آخر، وبعضهم يطالب بالحكام الأجانب ويؤكّد أنه مستعد لتحمّل كافة التكاليف المترتبة على ذلك لكنه في الواقع لا يفعل ذلك، بل يأخذ الموضوع من أجل إشغال مدرجه وصرف الآخرين عن أخطاء إداراته فقط.
في البرامج الرياضية يظهر التناقض في أوضح صوره، حتى إن المرء لا يتعجب كيف يقبل البعض الظهور بهذه الصورة التي تجعل المقاطع التي تحمل تناقضاته تتداول بين المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التسلية والضحك وتقديم الصورة الحقيقة له، وهي تناقضات غير مقبولة ولا يمكن تبريرها إلا بعدم الحصول على القدر الكافي من الثقافة، ثم تغليب العاطفة والهوى على كل شيء، وعلى سبيل المثال يخرج أحدهم ليؤكد أن الفريق الفلاني هو الأكثر استفادة من أخطاء الحكام، ثم يخرج بعد ساعات ليقول إن الفريق الآخر هو الأكثر استفادة، ويظهر آخر في برنامج تلفزيوني ليقول تعلموا من الفريق ومن إداراته كيف يعمل وكيف يحقق النجاح والبطولات، ثم يخرج مغرِّداً في اليوم التالي ليشكك في بطولات ونجاحات نفس الفريق وينسبها إلى عوامل خارجية مختلفة، ثم يخرج ناشطو التواصل الاجتماعي لتجميع متناقضاته ويتساءلون نصدق من ونكذب من؟
الأدهى أن يتناقض القانونيون في تحليلهم وأحاديثهم عن بعض القضايا والمواقف، وفي كل مرة يذهب بعضهم إلى البحث عن المادة التي تناسب رأيه وتوافق هواه فيكيِّفها كيف شاء ويحتج بها، ويظهر ذلك جلياً بالذات عن محللي أداء الحكام الذين يتغيّر رأي بعضهم بتغيّر ألوان الفريق رغم ثبات الحالة وانطباق مادة معينة عليها.
المتناقض شخص غير واضح يخالف نفسه بنفسه، ويهدر وقته ووقت من يناقشه أو يستمع له، وكم أتمنى من كل متناقض أن يشاهد ما يتناقله الناس عنه وأن يتبصَّر فيه، وأن يحفظ القاعدة التي تقول: «إذا كنت كذوباً فكن ذكورا» ... وأن يسأل نفسه: هل ترضى لها هذا الشيء؟