د. محمد بن إبراهيم الملحم
التغيير التعليمي هو من أهم الموضوعات التي ينبغي أن نعتني بها خاصة في البلاد العربية وفي بلدنا بشكل خاص, لأن الطموحات النهضوية سواء على مستوى القيادة أو الشعب كبيرة جداً، فقيادتنا وفقها الله وضعت لها مستهدفات راقية وطموحة وتنموية بشكل لم يسبق له مثيل، وبرؤية ناضجة يقوم عليها صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظه الله ويرعاها ويتعهدها كما يتعهد الزارع نبتته الصغيرة لتنمو بسرعة وتزهر وتقطف ثمارها، ومن هذا المنطلق فإن العطاء يجب أن يلتقي مع هذه الرؤية الوثابة، والعطاء المتوقع لاشك أنه يكمن في «التغيير», فالمؤسسات الحكومية ترهلت بثقافات موروثة أصبحت تسير بممارساتها خلاف ما تسير عليه مثيلاتها في الدول المتقدمة, ولذلك فإن نتاجها أقل بكثير خاصة في الجانب النوعي، وهذه الممارسات لا يمكن تعديلها في يوم وليلتين «بقرارات» ولا يمكن أيضاً أن تتغير دون «منهجية تغيير»، وفي نفس الوقت فإنه لا يمكن أن يحدث التغيير دون أن تتبع مفاهيمه ومبادؤه التي شرحها علماء التغيير والذين استنبطوها على مر الزمن من خلال دراستهم لتطبيقات دولية ومحلية متكررة وأثبتت لهم تلك التطبيقات صحة استنباطاتهم مرة بعد مرة، ومن هذه الدراسات تكونت كتلة من المفاهيم التغييرية تمثل هذا العلم إن صح التعبير، وتكاد الأدبيات المرتبطة بذلك تجمع على عدد من الأسس التي غدت راسخة في هذا الشأن وليست محل نقاش، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتغيير في السياق الاجتماعي، والتعليم هو من هذا السياق، فمثلاً التغيير لا يحدث لدى كل الناس دفعة واحدة وإنما له أربع فئات المتبنون، والغالبية المبكرة، والغالبية المتأخرة، والمترددون، وهذا النموذج سمي بنموذج إس S model for change لأنه يظهر في الرسم البياني لأعداد هؤلاء الفئات على شكل الحرف الانجليزي إس S، وأكثر من يستخدم هذا النموذج التغييري هم مصنعو التقنيات حيث يهتمون بالمبكرين لأنهم من يروجون لهم حتى يصلوا إلى مرحلة الغالبية بسرعة. واضع هذا النموذج هو إيفرت روجرز Everett M. Rogers عام 1962 ولا يزال يعمل حتى اليوم. وقد سبق روجرز في الكتابة حول نظرية التغيير (بل هو من رواد هذا المجال) كورت ليوين Kurt Lewin وذلك عام1947 عندما قدم أنموذجه للتغيير والمتكون من 3 مراحل: فك التجمد ثم إحداث التغيير ثم التجمد مرة أخرى، والجدير بالذكر أنه عالم نفس وإسهاماته في هذا المجال جديرة فهو من أسس علم النفس الاجتماعي SociaPsychology ومع أن أنموذجه قديم ويصلح لحالة واحدة فقط من التغيير وهو التغيير التقليدي الذي تنفذه القوى النافذة في المنظمات (المدراء – الوزراء – الرؤساء) إلا أنه لا يزال يستخدم اليوم بتنميطه بما يتناسب مع معطيات العصر حيث يستلهم منه الكتاب المعاصرون أفكارهم لمراحل جديدة تناظر تلك التي وضعها ليوين وتناسب الواقع الحالي.
فيما يتعلق بالتعليم فإن من أفضل من كتب في علم إدارة التغيير المخطط Management of Planned Change مايكل فولان Michael Fullan والذي بدأ كتاباته عام 1982 بكتابه المهم «معنى التغيير التعليمي» The meaning of educational change واستمر في هذا الموضوع حتى 1999 بكتابه «قوى التغيير: الاستكمال» Change Forces: The sequel. ولا يزال هذا الكندي الملهم معاصراً وهو في الثمانينيات من عمره وقد حصل على خمس شهادات دكتوراه فخرية من عدة دول بأوروبا وأمريكا وآسيا لإساهاماته العلمية والعملية في الإصلاح التعليمي. الجدير بالذكر أنه أيضاً متخصص وكاتب مهم في موضوع آخر مختلف وشيق وهو «التعلم العميق» Deep Learning وربما نتحدث عن هذا المجال يوماً ما في هذا الزاوية. ومن الكتاب المؤثرين أيضاً الأمريكي W. Warner Burke وكتابه المشهور التغيير في المنظمات: النظرية والتطبيق Organization Change: Theory and Practice والذي وضع فيه التغيير على أسس علمية متناسقة مع معطيات علم نفس المنظمات Organizational Psychology والذي هو متخصص فيه فهو عالم نفس وتربوي ومهتم بهذا المجال بجوار علم التغيير المخطط في المنظمات. وله 20 مؤلفاً آخر و150 عملاً علمياً وحصل على عدة جوائز تقديرية مهمة.
من الأسس المستقرة أيضاً في علم إدارة التغيير المخطط Management of Planned Change أن التغيير له اتجاهان شهيران: الأول هو التغيير من الأعلى إلى الأسفل والثاني هو التغيير من الأسفل إلى الأعلى وسوف أتحدث عن كل منهما ومتى يكون وكيف يكون وأحاول تقديم وجبة سهلة الهضم لغير المختصين بإذن الله.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً