رمضان جريدي العنزي
عندما تتقدم بالعمر ستدرك لاحقاً بأن كل الهموم والغموم والأحزان التي أتعبتك وأرهقتك ما كان يجب أن تكون، لأنها لم تسبب لك سوى الأرق والقلق والتوتر والتعب والمرض، ولم تكن سوى عوامل تعرية قاسية أزاحت من حياتك الهدوء والطمأنينة وراحة البال، وسلبت منك العافية، ولم تحقق لك شيئاً سوى الحسرة والندم، ستدرك أن اللحظات التي كنت تخسرها من أجل رضى الآخرين على حساب نفسك ستجدها ضائعة، ستدرك بأنك كنت تلبس ما يريده الناس، لا كما تريده أنت، كنت تحدد كل شيء وتبنيه على قناعات الناس ومفاهيمهم وليس على قناعاتك ومفهومك، كنت تختار أشياءك على أذواق الناس ورغباتهم، وليس على ذوقك ورغبتك، كنت تمشي وفق مقاسات يحددها لك الآخرن، وليس أنت الذي تحددها، كنت تفعل ما يريده الناس، لا ما تريده أنت خوفا ووجلا من ألسنتهم، كنت تعيش حياتك كما يحلو لهم، لا كما يحلو لك، كانوا يتلاعبون بمشاعرك، وكنت تبرر لهم وتخلق لهم الأعذار، وهم لا يبالون لك، كانت نيتك صافية، وقلبك حنوناً، وهم يمارسون عليك التقية في العاطفة والرحمة، ستدرك لا حقا بعد أن تسرب منك العمر كما يتسرب الماء من بين الأصابع، كل هذا وبأنك أضعت عمرك لعدم تقديرك لمفهوم حياتك، كونك وضعت اهتمام الناس قبل اهتمامك بنفسك، بل غبت عن تدبر شؤون حياتك تماماً إرضاء للآخرين دون أدنى فائدة، سوى الجحود والنكران والنسيان واللامبالاة، ستدرك لاحقا وبندم فظيع بأنك بددت حياتك من أجل الآخرين الذين لا يستحقون وفاءك وإخلاصك وتعبك واهتمامك بهم، إن عليك أن تدرك الآن ومن هذه اللحظة ما لم تدركه من قبل، وتستغل بقية عمرك بالاهتمام جيدا بنفسك كما اهتممت طويلا بالآخرين، فالحياة دروس وتجارب وعبر، والعاقل الفطن من يتعظ وينهض قبل نهاية المطاف، عليك أن لا تنتظر طويلا، بل تركب مع أول قطار يأخذك نحو المدرات البهية، والفضاءات الواسعة، وحدائق البهجة، وشلالات الماء، وبساتين الفرح، وحقول السعادة، ومواسم المطر، بعيداً عن براثن الوجع، ومستنقعات البهت، وألم الطعن، ودهاليز الظلام.