عطية محمد عطية عقيلان
كان المحارب قديمًا يمتاز بصفات جسمانية وسلوكية يتطلب وجودها فيه، ليستطيع خوض المعارك ودخول ساحات الحرب، وكانت الشجاعة والإقدام والثبات، من الصفات المهمة للمحارب المتميز، ويعد الجبن والخوف والتولي يوم الزحف من الصفات الذميمة والمعيبة فيه، وتطورت أدوات الحرب ووسائله وأصبحت تحتاج إلى علم ودراسة وإلمام وتكنولوجيا متطورة، إلا أن الصفة التي لم تفقد قيمتها، هي الشجاعة وأن لم تغير شكل المعارك ولم تعد مواجهة مباشرة بين المحاربين في كثيرٍ من الأحيان، لذا لابد منها في التخطيط واتخاذ القرار والتوجيه والإقدام والعزيمة وعدم التردد، فمهما اختلفت أشكال المعارك، هي وقت عصيب على المقاتلين والمحاربين ولا بد من وجود القادة المحنكين بقوة قلب وشجاعة لقيادة وتوجيه جنودهم، وهذا مدخلنا إلى أن الحرب لم تعد تقليدية وفيها مواجهة مباشرة كما السابق بالحراب والسيوف، وعلى الرغم من ذلك لا بد عند دخول ساحة المعركة مهما كانت نوعية القتال سواء في الجو أو البحر أو بالصواريخ تحتاج إلى شجاعة وقوة وثبات في اتخاذ القرارات التي تحقق الأهداف منها، وستبقى الشجاعة عاملاً حاسمًا في تميز المحارب والقائد ومطلبًا لنجاحه وتحقيق الانتصارات.
وفي الحياة العادية ظهر محاربون جدد في مختلف المجالات ومناحيها، فبعضنا يبدأ يومه بقيادة سيارته بكل تهور، ونعدها شجاعةً وإقدامًا، حتى ولو خالفنا قواعد الطريق أو الذوق العام وحسن الخلق والتسامح، وعند وصولنا إلى مكان العمل أو الدراسة، نمارس قواعد الحرب نفسها وأهدافها، وهي الانتصار بأي ثمنٍ معتبرين أننا في ساحة اقتتال، وينتصر فيها من يحصل على المعلومات وينقلها ويتقرب إلى المدير أو رئيسه، دون اعتبار لمبادئ التعاون والتسامح واللين والتسهيل وتكوين علاقات طبيعية والإيمان بأن النجاح مشترك، لتلازمنا هذه الصفات والاندفاع وتحقيق النصر، عند النقاش سواء في أرض الواقع أو في العالم الافتراضي وعلى ساحات منصات التواصل الاجتماعي، بل نجد متعة بأن ندحض آراء الآخرين ونثبت عكس كلامهم حتى ولو استخدمنا مبدأ «اللي تغلب به العب به»، وكنا شرسين في الطرح دون هوادة أو لين، المهم أن نحقق الانتصار مهما كانت الطريقة، لذا نعد أن ألعاب التسلية، سواء كانت ورقة لعب أو رياضة أو حتى ألعاب برامج قتالية عبر الهاتف، إلا أننا نعدها ساحة معركة ونحاول الانتصار فيها ونفتخر بالفوز ونحتفل به، ونستمتع بتجميع النقاط والارتقاء في المستوى، وقد نصبح من المحترفين في تلك اللعبة أو ذاك البرنامج، ولكنه في النهاية انتصارات بلا معركة حقيقية، وتحويل حياتنا إلى ساحات حرب والبحث عن انتصارات، يفقدها الكثير من المتعة والوقت الجميل والراحة النفسية والطمأنينة والتمتع بعلاقات طبيعية مع زملائنا وأصدقائنا وأقاربنا، بعيدًا عن المناكفة والجدال والصراع من أجل فوز في ساحات معارك وهمية، ليس لها ثمن إيجابي حقيقي على شخصيتك وحياتك، علمًا بأن الكل يسعى على الربح والفوز والانتصار، لكن كما قال الفيلسوف أرسطو «من يهزم رغباته، أشجع ممن يهزم أعداءه، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات»، لأنها تعلمك البحث عن الفوز والربح من دون ظلم أو تعدٍ أو تجاوزات، ولكن كل هذه الانتصارات فيما نمارسه في حياتنا اليومية، هو من متعة الفوز الوقتية وليس لها علاقة بالشجاعة والإقدام.
خاتمة: يقول نابليون بونابرت «ما أسهل أن تتحدث عن الشجاعة وأنت بعيد عن أرض المعركة».