د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* في السادس من ربيع الآخر عام 1405هـ كان اللقاءُ الأولُ في مكتبة منزله بالرياض، وفي الحاديَ عشرَ من شهر ذي القَعدة عام 1443هـ جاء اللقاءُ الأخيرُ عند افتتاح مكتبته بمدينة شقراء، وبينهما مسافةٌ اعتمرت الذاكرةَ، وحكايةٌ أيقظت الذكريات.
* أما اللقاءُ الأولُ فلمحررٍ ابتدأَ العمل الصحفيِّ عبر صفحةٍ أسبوعيةٍ ترويستُها: «قراءة في مكتبة»، وأما الأخيرُ ففي افتتاحٍ رسميٍ مشهودٍ منشود، وكان عمره في لقاء الرياض خمسةً وسبعين عامًا، وفي سوق حليوة بعد وفاته بعشرة أعوام، وفيهما معًا ظلَّ «سادنُ الأساطير، الكبير» عبدالكريم الجهيمان 1330-1433هـ رمزًا معرفيًا ووطنيًا لم يغبْ ذكرُه ولن يتوارى فكرٌه.
* كنَّا - لاثنتي عشرة ساعةً انطلقنا ضحى السبت من منزل الأستاذ الكريم عبدالرحمن الشويعر- بضعةً وعشرين معنيًا بالفعل الثقافي عامةً ومسيرة الجهيمان بخاصة في حافلةٍ أقلّت، وضيافةٍ أظلّت، وزياراتٍ تعددتْ، وإضاءاتٍ تمددت؛ فهنا «دارُ تراث الوشم» التي أسّسها ويرعاها الأستاذ الدكتور عبداللطيف الحميد، وهناك «المسرحُ الرومانيُّ» الذي صممه وينفذه المهندس محمد بن سعد البواردي، وفي الطريق بينهما مُتحفٌ ودور، ومساجدٌ وسواقي، وآثارٌ وأطلال، وتاجُ الجولةِ افتتاحُ مكتبة الجهيمان برمزيةٍ أنيقةٍ حميمةٍ لم تطلْ كلمتها الوحيدة التي ألقاها الأستاذ سهيل بن عبدالكريم الجهيمان، أعقبتها زيارة للمكتبةِ برفقة المحافظ الأستاذ عادل البواردي، وشرحٌ وافٍ من الأستاذ إبراهيم اليوسف المتطوع لمسؤولية الإشراف عليها، وداخلها مؤلفات أبي سهيل ومكتبُه وصورُه وتسجيلاته وبعض مقتنياته رحمه الله، وكان معهم - طيلة الذهاب والإياب- ظلًا وارفًا الصديقُ الإعلامي الأستاذ محمد بن عبدالله الحُسيني.
* المناسبة حفيةٌ وفيةٌ، والرفقةُ منتخبةٌ ومتآلفةٌ، وما نُشر ويُنشر عنها في الوسائط الورقية والرقمية كافٍ لإعطاء لمحةٍ عن هذه الإضافة الحيوية لسوق حليوة، والظنٌّ أن زيارة شقراء ستكتمل بإطلالةٍ على هذه المكتبة - المُتحف، ورؤية نتاج هذا العصاميِّ الذي عمل في القضاء والتدريس والتفتيش والصحافة والتأليف للكبار وللصغار، وفي الأمثال والأساطير، والرحلات والمذكرات، وقضايا الوطن وهموم المواطن.
* لنكتفِ بهذا عن الآن لنستعيد عناوين صفحةٍ صدرت قبل التحول الرقمي، وشاخ أو قضى معظمُ قارئيها، وجاء فيها:
-الأمثال والأساطيرُ الشعبية موادُ أوليةٌ يمكن إخضاعها لدراسات اقتصاديةٍ واجتماعية وسياسية.
-رفضتُ طلبًا لشراء كمياتٍ ضخمة من كتاب «الأمثال» على أنْ أُغيرَ اسمَه.
-تجربتي مع كتب الأطفال لم تجد الإقبال الذي توقعتُه.
-ابن ربيعة وابن لعبون يشبهان أبا تمام والبحتري.
-حركة النشر غيرُ منظمةٍ، ولهذه الأسباب أنشر كتبي بنفسي.
* تلك العناوينُ، أما التفاصيل ففي الصفحة السابعة عشرة من صحيفة الجزيرة (العدد 4474) فلعلها تُضمُّ إلى مكتبته الشقراوية، وفيها طرحٌ استشرافيٌ ونقدٌ ومنهجيٌ من أديبٍ كبيرٍ، يحمدُ الله صاحبكم أنْ عرفه ونشر له وأسهم في أولِ تكريم له بمركز ابن صالح الثقافي بعنيزة - قبل أن يُكرَّمَ في مناسباتٍ رسميةٍ واجتماعيةٍ تالية- ولا ينسى أنه التقى بمنزلهم في حي الهدا بوالده ودار الحديث بينهما - رحمهما الله - حول صحيفة «أخبار الظهران» و»القصيم» التي أشرف عليها زمنًا، ورافقه صاحبكم في أكثر من زيارةٍ، ولازم مجلسَه طيلة حياته.
* لم تقتصر الرحلةُ عليه شخصًا أو نصًا بل آنسته باستعادة أولى خطواته الصحفية في طريقٍ غير معبدةٍ ظنها قصيرةً ميسرةً فصارت مشوارَ ثمانيةٍ وثلاثين عامًا ثقافيًا رسمت صورته كما لم يفعلْها عمله الحكوميُّ والأهليُّ والمجتمعيَ والتطوعيّ، وفيها عناءٌ واعتناء، وتميزٌ وانطفاء، وتوقفٌ وتوافق, وتوفيقٌ ومواقف.
الحياةُ « دورةٌ مع الشمس»(1).
** **
(1) عنوان كتاب للجهيمان.