م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. بعد صعود الحضارة الإسلامية بألف وأربعمائة عام وبعد أفولها بألف عام لا نزال نتجادل: هل كانت حضارة إسلامية أم حضارة عربية؟! فقد نشرت «مجلة الفيصل» الغراء في عددها الأخير ملفاً عن هذا الموضوع.. ولو كان التساؤل عن جوهر الحضارة وليس عن الخلاف حول تسميتها لكان أجدى خصوصاً وأن المملكة تعيش مقدمات نهضة تسير بنا إلى بناء حضارة.
2. هناك من يرى أنها سميت بالحضارة الإسلامية بسبب أن الفكر الذي قامت عليه فكر إسلامي.. يقابلهم من يرى أن الرؤوس التي حملت ذلك الفكر والأذرع التي نشرته هي رؤوس وأذرع عربية.. وأن مسميات الدول التي بنت وقادت تلك الحضارة هي عربية مثل: الدولة الأموية والدولة العباسية.. وما الأقطار غير العربية سوى مستعمرات أدت الجزية وأدى رجالها الخدمة للدولة العربية.. ولم يكن دورهم في الدولة العربية سوى دور العامل.. تماماً كما حصل مع الحضارات الأخرى الفارسية والرومانية وقبلهما الإغريقية والصينية.. فكلها حضارات مُنِحت اسم مَنْشَأها وليس اسم الفكر أو الدين الذي نشرته.. فلا يمكن أن نطلق مسمى الحضارة المجوسية على الفارسية، ولا الوثنية على الإغريقية، ولا المسيحية على الرومانية، ولا الكنفوشية على الصينية.
3. وسم حضارة الدولتين (الأموية والعباسية) بالحضارة الإسلامية يضفي عليها نظرة دينية يُفْهم منها تهميش مساهمات غير المسلمين في بنائها.. وذات الحال مع وصفها بالعربية فهذا يَسِمُها بالعنصرية ويُهَمِّش مساهمة غير العرب.. ولو أمعنا النظر أكثر لوجدنا أن تلك المسميات لم تُطلق على أي من الدولتين إبان قيامهما بل أطلقت عليهما بعد سقوطهما بألف عام تقريباً، وكذلك التسميات للحضارات الأخرى.. أي أنها مسميات اجتهادية لها مسبباتها ودواعيها.. ولا شك أن معظم هذه المسببات والدواعي صادرة من ذات مُطْلِق التسمية كشخصيته وخلفيته العقدية والفكرية والقومية.. إلخ.. ألا يستحق الموضوع دراسة تنأى بنفسها عن التحزب القومي أو الأممي؟
4. الذين تجادلوا حول الحضارة وهل هي إسلامية، أم عربية، أم عربية إسلامية، كلهم انطلقوا من منطلقات تراوحت ما بين عرقية قومية إلى أيديولوجية دينية إلى محاولة للتوفيق بينهما.. فهي في رأيهم حضارة واحدة بهويات متعددة.. وحيث إن إطلاق مسمى الحضارة الإسلامية هو إطلاق حديث عُرف في القرن التاسع عشر، وحيث إن الداعين إلى تصحيح تسميتها إلى الحضارة العربية لا الإسلامية هم من الجيل الذي زامن صعود القومية العربية مع مطلع القرن العشرين، وإذا عرفنا أن المصرين على مسمى الحضارة الإسلامية هم من الأمميين الذين يدعون إلى عودة الخلافة الإسلامية.. فهذا يوضح أن الجدل ليس جدلاً معرفياً بقدر ما هو جدل أيديولوجي تحزبي لا طائل من ورائه سوى الفُرْقة.. ومن المحزن أننا لا نزال نلوك ذات الجدل بذات الحماس والتحزب.
5. الذين يقولون بأن الحضارة إسلامية يرونها أشمل في التعريف وأدق في الوصف وأقرب في قول الحقيقة.. فالعرب كانت لهم الإدارة والقيادة وبقية المجتمعات الإسلامية كانت لهم أدوار مشهودة في الارتقاء بالعلوم والثقافة.. والحضارة هي نظام متكامل يشمل كل أوجه التقدم.. والذين يقولون بأن الحضارة عربية ينظرون إلى أن العرب هم الذين فتحوا الأمصار الأخرى ووطدوا الأمن والاستقرار ونظموا الحياة، وما أبناء الأمصار الأخرى سوى أدوات منفذين، فهل يمنحهم ذلك حقاً في حمل اسم الحضارة؟.