د.حماد الثقفي
إن «الإعصار انطلق وفي طريقه إلينا... ولا نعرف ما إذا كانت عاصفة صغيرة أم إعصار هائل (مثل ساندي)، لكن من الأفضل أن نستعد حالياً»، هكذا حذَّر رئيس مجلس إدارة بنك «جيه بي مورغان تشيس» ورئيسه التنفيذي جيمي ديمون، المستثمرين لمواجهة أكبر تضخم للاقتصاد الأميركي في تاريخه، ومن المُستحيل أن تنجح سياسات رفع الفائدة وحدها في خفض معدلات التضخم أبداً، وهو الذي يحوم حول أعلى مستوى له في 40 عاماً فمثلاً وصل التضخم الأميركي في أبريل 2022 إلى 8.3 % أي ما يزيد ثلاثة أضعاف بينما كان المستهدف من قبل الفيدرالي الأمريكي 2 %، ورفع الفائدة ستؤدي حتما إلى زيادة معدلات البطالة، وبالتالي ارتفاع كُلفة الاقتراض من أجل التوسع الرأسمالي لدى المستثمرين.. ولهذا أصبحت معركة التضخم من أولويات النقاش بجدول أعمال بايدن هذا الشهر وسط تراجع شعبيته، قبل انتخابات الكونغرس نوفمبر المقبل.. بينما عاد دافوس والعالم تغير.
لقد عاد التضخم مرة أخرى، وهو يلحق الضرر بالجميع، ففي الاقتصادات المتقدمة، تعتمد الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل في العادة على الدخل من الأجور ومدفوعات التحويلات على نحو أكبر من اعتماد الأسر الأكثر ثراءً عليها، وهو ما رأيناه في تزايد النشاط الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية في 2021 قد رفع التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008 ، بل بلغ في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لأكثر من نصف هذه الاقتصادات التي لديها إطار لتحديد أهداف التضخم، بعدما هزّت الاقتصادات أجمع حالة عدم اليقين بشأن سياسة البنك المركزي الأميركي وغزو أوكرانيا وزيادة معاناة الغذاء باضطراب سلاسل التوريد وارتفاع عوائد الخزانة، وانخفاض مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» في بورصة «وول ستريت» بنسبة 13.3 % منذ بداية العام.
لذا خفضت «JPMorgan «، الشهر الماضي توقعات نمو النصف الثاني 2022 إلى 2.4 % من 3 %، وللنصف الأول من عام 2023 إلى 1.5 % من 2.1 % وللنصف الثاني من عام 2023 إلى 1 % من 1.4 %.
ومن ثّمَّ، فإن كبح جماح التضخم كنُقطة محورية عبر زيادة أسعار الفائدة فقط قد يقود الاقتصاد الأمريكي وإلى حد كبير اقتصاد البلدان الرأسمالية المتقدمة إلى الهاوية والركود، أي أن التعويل على قدرة البنوك المركزية بـ«مفردها» للسيطرة على التضخم لا يمكن أبداً.. لهذا بدأ الاقتصاد الأميركي بالفعل في التباطؤ استجابة للتحفيز النقدي الأقل، وفق تقرير البنك الاحتياطي الفيدرالي «بيج بوك» حول الظروف الاقتصادية الإقليمية.