د.شريف بن محمد الأتربي
سبق وكتبت العديد من المقالات والتغريدات التي تتناول موضوع الورش الصناعية خاصة المتعلقة بالسيارات من ميكانيكا وكهرباء وسمكرة وغيرها من الورش التي توجد داخل الصناعيات الكثيرة المنتشرة في كافة مدن المملكة، والتي من المفترض أنها تقوم بتلبية احتياجات المواطن في إصلاح سيارته مقابل مبلغ معقول؛ خاصة مع تفحش أسعار الصيانة لدى وكلاء السيارات حتى خلال فترة الضمان.
لا أتكلم في هذا المقال عن شيء نقل لي أو قرأته؛ لكن أتكلم عن وقائع حدثت لي شخصياً عانيت خلالها من جهل العاملين في هذه الورش، ورغم إطلاق وزارة الموارد البشرية لبرنامج الفحص المهني للعاملين في مهن محددة، ووصوله إلى مرحلة متقدمة؛ حيث من المفترض -حسب خطة الوزارة - أن تكون جميع العمالة في ثمانية تخصصات تشمل: الكهرباء، والسباكة، والتكييف، واللحام، ونجارة المباني، وميكانيكا السيارات، وكهرباء السيارات، والدهان، العاملون في جميع المنشآت سواء العملاقة التي يعمل بها أكثر من 3 آلاف عامل، والكبيرة التي يعمل بها من 500 إلى 2999 عاملاً، والمتوسطة التي تضم ما بين 50 إلى 499 عاملاً، والصغيرة فئة (أ) والتي يعمل فيها من 6 إلى 49 عاملاً، والصغيرة فئة (ب) التي يعمل فيها من عامل إلى خمسة عمال؛ قد انتهى فحص العاملين بها في يناير من العام الجاري 2022 .
جميع الورش التي ترددت عليها، وجميعها بدون مبالغة لا يوجد بها فني متخصص، بل هم جهّال يتعلمون فينا وفي سيارتنا ولا يمكنك بأي حال أن تثبت خطأهم، فالعامل الذي قام بإصلاح سيارتك يمكن أن يختفي فجأة من الورشة بدون أن تلاحظ ذلك، ناهيك عن التلاعب في قطع الغيار وأسعارها المتفاوتة في كافة المحلات التي من المفترض أنها توفر قطع غيار بأسعار تناسب المواطن، وتقل بأي حال من الأحوال عن أسعار القطع التي يوفرها الوكيل.
ومن المواقف التي أثارت غضبي ولم أجد بداً من أتوجه إليه هو قيامي بتغيير لّي مبرد المياه في السيارة أربع مرات خلال 3 شهور منها 3 مرات خلال 10 أيام بسبب جهل الفني، وفي كل مرة أدفع أضعاف ما دفعته سابقاً، سواء لقطع الغيار أو أجرة الأيدي العاملة الباهظة الثمن بشكل مبالغ فيه، ودون أي فاتورة ولا إيصال فقط أدفع واستلم سيارتك.
إن ما يحدث في سوق العمل الحرفي يحتاج إلى تدخل فوري من كافة الجهات المعنية سواء وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أو البلديات، أو وزارة التعليم، أو وزارة الداخلية، أو ... كل هذه الوزارات وغيرها معنية بضرورة إحكام قبضتها على هذا السوق الذي يظهر فيه كل أنواع الفساد والتستر.
وكما تعودت دائماً لا أطرح مشكلة وأهرب من الحل، فطرح المشكلات سهل جداً، والصعب هو اقتراح الحلول، ولعل منها:
- إنشاء مراكز صيانة موحّدة يعمل بها أبناؤنا خريجو الثانويات الصناعية، وكليات الهندسة في التخصصات المعنية، بعد تدريبهم وتأهيلهم وذلك من خلال كيان استثماري ضخم يكونون يساهمون فيه، ويخضع هذا الكيان لرقابة كافة الأدوات الرقابية في المملكة، ولا مانع من مشاركة القطاع الخاص فيه.
- إنشاء مراكز صيانة موحَّدة ضمن خطط صندوق الاستثمارات العامة تستقطب شركات عالمية في تقديم خدمات الصيانة وبأسعار محددة تعطي هامش ربح معقولاً للشركات.
- تسهيل استئجار الشباب الخريجين من كافة التخصصات للورش الصناعية وتقديم الدعم المادي لهم لتجهيز هذه الورش مع إخضاعهم لبرامج تدريبية وتأهيلية متعددة سواء في الإدارة أو ممارسة العمل الحرفي.
- مراقبة كافة الورش بشكل دوري ووجوب وجود موظف سعودي وكاشير وحصول المستفيد على فاتورة تفصيلية تشمل العيب وما تم إصلاحه، وكذلك فترة الضمان، وأن يتم السداد عن طريق السداد الإلكتروني، مع مراقبة هذه الحسابات لمعرفة الجهة النهائية المستفيدة منه منعاً للتستر.
- متابعة كافة التأشيرات التي صدرت خلال الأعوام السابقة خاصة للفنيين المعنيين في هذا المقال والتأكد من وجودهم لدى كفلائهم وعدم عملهم في جهات أخرى.
وأخيراً ومن باب الطرفة، لجأت قبل أيام لسباك لإصلاح ماتور المياه الخاص بالسكن، وبعد الانتهاء من الإصلاح أحببت أن أعرف مهنته من باب الفضول لأجد سباكنا الهمام على مهنة عامل زراعي!
ما ذكرته اليوم في هذا المقال يمكن أن ينطبق على كافة المهن الحرفية التي تقطع من رزق المواطن والمقيم ومن قوته بكل شراسة وبدون أي رقابة.