الموهبة والإبداع هي الرافد الأساس لازدهار البشرية من خلال رعاية الموهوبين ما إن بدأت في مرحلة مبكرة بالكشف عنهم وتوفير بيئة محفزة لهم وتعزيز الشغف لبنائهم، سيُسهم في زيادة عدد قادة المستقبل للإبداع والابتكار، حيث إن الابتكار ظاهرة إنسانية لها روافدها ووسائل تنشيطها عبر البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام والبيئة، ولها نتائجها الملحوظة على نهضة ورقي المجتمعات، ثم هي - قبل ذلك وبعده - عملية أساسية لدى أطفالنا لتحقيق ذواتهم كي تعبر عن تفردهم وفرديتهم.
ولأن لكل بناء قاعدة ولكل قاعدة ركائز...فمن ركائز بناء المجتمعات الروضة إذا ما جهزت ببيئة تربوية تعليمية غنية وثرية ماديًا وفكريًا ومعنويًا، ستُسهم في إخراج أجيال من المفكرين ينمو معهم وطنًا حضاريًا ليصبح وطننا مليئًا بالابتكارات.
ورحلة الابتكارات هذه قد تبدأ في سن مبكرة دون أن نشعر بها، ففي مرحلة الطفولة المبكرة أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال الموهوبين الذين تسربت مواهبهم دون نموها وتطورها من أطفال الطبقة المتوسطة والفقيرة الذين فقدوها في سن مبكرة.
وهذا ما أثبتته دراسة أجرتها وكالة ناسا لعلوم الفضاء، وجدوا أن نسبة الإبداع عند الأطفال بعمر خمس سنوات، تبلغ 98 %، لكنها تقل إلى 30 % إذا بلغوا سن العاشرة، واكتشفوا أن نسبة الإبداع تظل تقل وتنقص كلما تقدمنا في العمر.
تعد السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل حاسمة لتنمية القدرات الإبداعية، حيث يظهر لديهم الخيال الواسع من خلال الألعاب والقصص التي يطرحونها. يتفق معظم أصحاب نظريات الإبداع على أن الإبداع يتضمن عددًا من المكونات وهي: الخيال، والأصالة أي (القدرة على الإتيان بمنتجات جديدة وغير مألوفة)، وأيضًا الإنتاجية أي (القدرة على توليد مجموعة متنوعة من الأفكار من خلال التفكير بشكل مختلف)، وكذلك حل المشكلات أي (تطبيق المعرفة والخيال للوصول إلى الحل)، وهكذا يكون الابتكار مُخرجًا ذا قيمة.
ولأن عالم أطفالنا هو عالم اختلاط الواقع بالخيال الحر المتدفق والفريد، ونبع فياض بالأسئلة والأفكار والموضوعات، التي تسعى لإشباع الرغبة في التعرف على الأشياء وحب الاستطلاع والفضول, لذا فلأطفالنا الحق في الإجابات المناسبة عن أسئلتهم الكثيرة: ما هذا, كيف, ولماذا، وأين, ومتى؟، من خلال تحقق معايير التعلم المبكر النمائية في مرحلة رياض الأطفال.
وهذا ما شدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على ذلك حيث قال «سيكون هدفنا أن يحصل كل طفل سعودي أينما كان على فرص التعليم الجيد، وفق خيارات متنوعة، وسيكون تركيزنا أكثر على التعليم المبكر» وهذه المقولة تجعلنا ندرك بأن الأطفال ثروة وطنية في غاية الأهمية لا يمكن تبديدها أو إهمالها، إذ لا بد من توفير كل الفرص التربوية المناسبة التي تساعد الطفل في الوصول إلى أقصى طاقاته، فضمان تكافؤ الفرص للأطفال بجميع طبقات المجتمع وحماية ضمان النمو المتوازن للطفل الموهوب والمحافظة عليه من اندثار موهبته بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية، وتقديم العون له ولأسرته، وبهذه الطريقة يمكن التفكير في كل طفل بأن لديه إمكانية للإبداع، وأنه قادر على التعبير الإبداعي.
ولذا لابد من أن نركز على العملية الإبداعية بدلاً من التركيز على الحكم على جودة منتجاتهم، ذلك لأن الأطفال الصغار لا تكون معارفهم ومهاراتهم التي يحتاجون إليها للحصول على مخرجات إبداعية عالية المستوى قد تطورت بعد.
وأخيرًا ومن منطلق مقولة الملك عبدالله آل سعود –رحمه الله – «إن الموهبة دون اهتمام من أهلها أشبه ما تكون بالنبتة الصغيرة دون رعاية أو سقيا، ولا يقبل الدين، ولا يرضى العقل أن نهملها أو نتجاهلها»، فدورنا اليوم هو الاهتمام باكتشاف ورعاية وتنشئة الموهوب الرقمي الذي تسعى له رؤية المملكة العربية السعودية 2030، لأن في طفولتهم يكمن سر موهبتهم.
** **
- ماجستير الآداب في رياض الأطفال