أصدر معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ قراراً مشروطاً على تخرج طلاب المرحلة الثانوية وهو إكمال عدد من الساعات التطوعية ومشروع تخرج.
ومن هذا لعلنا نوضح الجانب المتعلق بالتطوع، وهو أن التطوع يكمن بمفهوم أساسي ومعايير متعارف عليها ولا يمكن أن يكون إجباريا، لذا سنوضح بعض النقاط الأساسية عن التطوع بشكل عام، وهي اقتباسات من كتابي بعنوان ثمرة التطوع وانعكاسها على الفرد والمجتمع، وعن قرار مقام وزارة التعليم من وجهة نظري الشخصية.
أولاً - لعلنا في البداية نعرِّف التطوع لغة
قال ابن فارس في مادة طَوع: «الطاء والواو والعين» أصل صحيح واحد يدل على الإصحاب والانقياد.. يقال: طاعة يطوعه، إذا انقاد معه ومضى لأمره. وأطاعه بمعنى طاع له.
والعرب تقول: تطوع، أي تكلف استطاعته، وأما قولهم في التبرع بالشيء: قد تطوع به (لكنه لم يلزمه، لكنه انقاد مع خير أحب أن يفعله، ولا يقال هذا إلا في باب الخير والبر). وقال ابن الأثير: أصل المطوع «المتطوع، فأدغمت التاء في الطاء وهو الذي يفعل ( الشيء تبرعاً من نفسه وهو تفعل من الطاعة). وقال ابن فارس: ويقال للمجاهدة الذين يتطوعون بالجهاد: المطّوعة ، بتشديد الطاء والواو، وأصله المتطوعة، ثم أدغمت التاء بالطاء. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (79) سورة التوبة.
ثانيًا - أنواع العمل التطوعي نوعان هما :
(أ) العمل التطوعي الفردي وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه، وبرغبة منه وإرادة،ولا يبغي منه أي مردود مادي، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية في عدد من المجالات.
(ب) العمل التطوعي الجماعي وهو أكثر تقدما من العمل التطوعي الفردي، وأكثر تنظيمًا، وأوسع تأثيرًا في المجتمع ويد الله مع الجماعة دائماً.
ثالثاً - العمل التطوعي في السنة النبوية
إن ديننا الإسلامي يحث على العمل التطوعي، ويحمد من يؤدي هذا الواجب الديني الذي يحقق التآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبنيان وبالجسد، فالعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يعتني بها الإنسان كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله التي تدعو إلى عمل الخير والبر والبذل والعطاء في سبيل الله بكل الطاقات المتاحة قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وهذا الزمن مليء بالعمل الخيري التطوعي من أعمال خيرية ومراكز تحفيظ القرآن، والاهتمام بالفقراء والمساكين والمعاقين وذوي الحاجة، كما قال تعالى في كتابه العزيز (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، وقوله جل جلاله (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا).
رابعًا - فوائد العمل التطوعي
تعتمد العديد من الشركات والمنظمات في نجاحها على الحفاظ على قوة عاملة متينة من المتطوعين، والواقع أن الكثير من المؤسسات مثل المتاحف ومنظمات الخدمات الاجتماعية والمنظمات البيئية تعتمد في الغالب على المتطوعين أكثر من العمال المأجورين لتحقيق أهدافها والقيام بمهماتها، ومن خلال العمل التطوعي لهذه المنظمات، نسهم في مساعدة مجتمعنا على تلبية احتياجات الناس بجميع أطيافهم.
خامسًا - اليوم العالمي للتطوع
اعتمدت الجمعية العامة لدى الأمم المتحدة اليوم العالمي للتطوع في 17 ديسمبر 1985. ومن ذلك الحين، انضمت الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى المتطوعين حول العالم للاحتفال في ذلك اليوم في ديسمبر.
سادسًا - التطوع في المملكة العربية السعودية
وهو نوعان داخلي وخارجي، والمملكة العربية السعودية - حفظها الله - لها جهود جبارة في أرقام ضخمة وميزانيات كبيرة ومشاركات عالمية لم تسبقها أي دولة في عطائها وتبرعها وعملها التطوعي والإنساني والصحي والبيئي والإغاثي ونحوه، سواء كان مع دول صديقة أو دول عربية أو إسلامية أو عالمية، وكانت ولا زالت المملكة مع الجميع متطوعة وداعمة ومساندة في أي ظرف من الظروف.
أخيرًا - رؤية ولي العهد - حفظه الله - في توافر مليون متطوع قبل نهاية عام 2030
فلقد تمت الرؤية قبل وقتها وكان العدد أكبر وكان المتطوعون أكثر، وتم فتح منصة وطنية تهتم بالفرص التطوعية للراغبين في التطوع أو الراغبين في إتاحة فرص تطوعية للمشاركين.
أما فيما يخص شرط مقام الوزارة لعلنا نوضحها على جانب آخر، وهو أن وزارة التعليم لم يكن يوماً مهمتها فقط التعليم إنما هي وزارة للتربية ووزارة للإرشاد والنصح والتوجيه والإصلاح، ولقد اُشترط آنفاً على الطلاب عند الدخول للمدارس أن لا يدخل الطالب بشعر طويل أو ملابس غير مناسبة ونحوه وهذه معايير ليست تعليمية أبداً إنما أخلاقية وتربوية وصحية.
أما التطوع الإجباري للطلاب فهدف الوزارة من مفهومي الشخصي هو لمصلحة الطالب من أجل أن يكسب خبرات ومهارات، ويخوض تجارب مميزة سواء كان تطوعهم حضورياً أو عن بعد في المجالات المتعددة.
وهذا يعود عليهم بفوائد عديدة مفادها استغلال الوقت للأبناء الطلاب في التطوع، وهو خير له من ضياع وقت على برامج غير مفيدة لا تنعكس عليه بخير ديني أو دنيوي تعليمي أو علمي مكتسب ؛ لذا فكرة التطوع بهذا العدد من الساعات فكرة جميلة وخطوة رائعة من أجل التعرف على التطوع بشكل عام وسهل.. كما أن معظم طلابنا قد لا يعرف ماذا يعني التطوع وما هي مجالاته.
جميل أن قرار مقام الوزارة يسعى لغرس بذرة العمل التطوعي في الطلاب، وهو سهل في التعامل فقد يكون هناك فرص في المنصة الوطنية ويطلب مصمم ويأخذ مقابل هذا العمل أقل شي 8 ساعات، إن لم يكن أكثر ، وقد يكون هناك فرص تطوعية عن بعد وترتاح من عناء الوصول للموقع ونحوه، فأبناؤنا الطلاب اليوم يتفننون ويبدعون بهذا، وقد لا يأخذ منهم التصميم أكثر من نصف ساعة ويكون قد أكمل الساعات المطلوبة في غضون 4 فرص وإن كان حضوريا قد يحصل عليها خلال يومين.
لذا نرى أن مفهوم التطوع بهذه الحالة في قرار الوزارة هو الصائب والأنسب وهو أسوة ببعض الدول خارج المملكة، حيث إنه مشروط حتى في قبول الجامعات، وبعض الدول يكون هناك تخفيضات من رسوم المخالفات المرورية من قبل الجهات ذات العلاقة حال كان يحمل صاحبها عدداً من الشهادات التطوعية مراعاة لما قام به من جهود تطوعية سابقًا.
ولعله في المستقبل تكون هناك فرص ضخمة وكبيرة في المنصة الوطنية للتطوع تكفي المتقدمين للحصول على مبتغاهم من الساعات، وان يكون الطارح للفرصة مُرغباً للعمل التطوعي ومحبباً له لا مجفلاً عنه معقداً لهذا المفهوم الطيب المبارك.