خلق الله الخلق وجعلهم شتى في طباعهم وصفاتهم وإرادتهم، وفي آمالهم وأمنياتهم... بين عزيمة وإصرار وإرادة قوية يحدوها الطموح والمعالي، وبين خور وضعف وتكاسل لا ينظر إلى القمة وأبعد ما ينظر إليه مسافة الخطوة بين قدميه.
القوة الداخلية التي بداخل الإنسان هي المحرك لتصرفاته، (القوة العقلية، القوة التفكيرية، القوة الإيمانية)... بأن نؤمن جميعاً بأننا قادرون على تحقيق المراد بعد عون الله وتوفيقه.
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
جاء القرآن ليرسّخ معنى القوة التي يحبها الله، والتي لابد أن يتصف بها المسلم.
قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا أسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...}
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً...}.
وقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ...) رواه مسلم.
إن تكرار هذا المفهوم في مواضع شتى يدلنا دِلالة واضحة أنّ القوة صفة مرادة ومقصودة ومحببة، وليست هي فقط القوة الجسمانية كما يعتقد بعضهم، بل قبلها قوة القلب الممتلئ إرادة، وقوة العقل المتزن القادر على التفكير بإيجابية، إذ ما الفائدة من أجسام قوية ولكنها تحمل عقولاً صغيرة؟!
قوة العقل بأن تمنحه الفرصة الكاملة في التفكير والتأمل وبعدها اتخاذ القرار في تحقيق مصالحك دون السماح لأحد أن يصادر عقلك ويكون المؤثر في اتخاذ قراراتك، وهذا كله جزء من الشخصية القوية. ولا مانع من المشورة فهي إضافة في اتخاذ القرار إذا صدرت ممن يصلح أن يكون مستشاراًَ أميناً، فإذا عزمت فتوكل على الله، وإياك وكثرة التردد.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ
فإن فساد الرأي أن تترددا
وأيضاً قوة المنطق، بأن تتسلح بسلاح العلم والحجة والدليل والقراءة والاطلاع، بعيداً عن الثقافة المهزوزة الهزيلة التي بنيت في أساسها على (قالوا وسمعنا) من المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي.
إنّ قوة الإرادة والصبر في سبيل تحقيق المراد من أعظم أسباب تحقيق النجاحات.
تُذكّرنا قصة السلحفاة والأرنب تلك القصة المجازية، أنّ تحقيق النجاح حاصلٌ متى ما تسلح الشخص بسلاح الإرادة والعزيمة والصبر. القصة وإن كانت تظهر في محتواها عاقبة الغرور والتكبر من قبل الأرنب، إلاّ أنها تحمل في طياتها معنى أعمق وهو عاقبة الصبر والعزيمة والإرادة الذي تحلت به السلحفاة والنتيجة الانتصار، وهذه حالنا مع مواقف الحياة التي نمر بها.
إنّ الرغبة في الراحة والسكون لا تحقق إبداعًا ولا منجزًا، وأكثر ما يعاب عليه الإنسان عندما يملك القدرة على الإنجاز والإبداع ولا يستثمر طاقاته وقدراته في تحقيقها.
حكى ابن الجوزي عن بعضهم قوله: من علامة حسن الخلق علو الهمة، ومن علامة سوء الخلق دنو الهمة، والراضي بالدون دنيء.
وأنشأ يقول:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ
فلسفة التعامل مع النفس وضبطها لأجل تحقيق النجاحات يحتاج إلى إقناعها بالقدرة والرغبة والإصرار والعزيمة الذي يجتمع في مفهوم القوة المتكاملة (قوة العقل والجسم والقلب).
فممارسة الرياضة والالتزام بوقت يومي إرادة وعزيمة.
والإقلاع عن التدخين إرادة وعزيمة.
والاعتكاف والمكث في المسجد إرادة وعزيمة.
وعمل الحمية وإنقاص الوزن إرادة وعزيمة.
وحفظ القرآن إرادة وعزيمة.
والدراسة والمؤهلات العلمية وتحقيقها إرادة وعزيمة.
والاختراعات التي جاءت بعد الكثير من المحاولات الفاشلة المتكررة، كانت بسبب الإرادة والعزيمة والإصرار وإقناع النفس بالقدرة.
خلاصة القول أن ما تريد تحقيقه سيتحقق بمشيئة الله مع العزيمة والإصرار والإلحاح. وعلى قول القائل في المثل العامي: «ماضاع حق مطالب» إشارة إلى أن الحقوق لا تضيع وسترجع إلى أصحابها إذا طالبوا بها، وأصروا على ذلك.
وكل النجاحات التي نراها اليوم من أشخاص سجلت لهم قصص كفاح، سبقها تعب وجد واجتهاد وإصرار وعزيمة كانت سبباً في تحقيق مبتغاهم.
هذا هو مفهوم القوة الحقيقية المتكاملة بكامل جوانبها وأبعادها (الجسمية والعقلية والقلبية) التي نحتاجها في واقع حياتنا اليوم - وخصوصا من قبل الشباب - لنتمكّن من التعامل مع مواقف الحياة التي نمر بها بشكل أفضل.
** **
- وزارة التعليم