رمضان جريدي العنزي
يلهثون وراء حطام الدنيا وملذاتها، يركضون نحوها ركضاً ركضاَ، يتفانون فيها، ويسعون في الزيادة منها بصور شتى، لا يكلون ولا يملون، يبذلون الجهد والجهيد من أجل الاحتواء على متاعها، يعيش أحدهم سبعين عاماً أو ثمانين عاماً أو يزيد، وهو يركض بلا توقف من أجل الاقتناء والاحتواء والجمع والكنز وتكبير الرصيد، من غير أن يلتفت ولو لفتة قصيرة لأصحاب الفقر والعوز والفاقة والحاجة، يجمع من هنا ويأخذ من هنا، يملك القصر الكبير والبستان العامر والعقار المتنوّع والمركب الفاخر، يسافر هنا وهناك، من أجل غايات فارغة، وأعمال تافهة، ويستنفدها في سبيل ليس لا مضمون، يطلب المزيد ولا تشبع نفسه أبداً ولا يكتفي، إن وصل لغاية نجده يبحث عن غاية أخرى أكبر من الأولى، وإن حصل على مرتبة، يحاول الوصول إلى مرتبة أعلى، وهكذا يقضي حياته في الجري وراء أهداف دنيوية زائلة، يبحث عن الشهرة والمال والمتعة وتكبير الذات الصغيرة والأنا المتواضعة والشخصية المهزوزة، يجري وراء خيالات وأحلام طويلة وعريضة، وهو الذي لا يستطيع أن يضمن حياته ولو لدقيقة واحدة، لا يفكر أبداً، فربما يتعرَّض لحادث سيارة، أو يُصاب بإعاقة، أو يمرض مرضاً لا شفاء منه يعجز الأطباء عن علاجه، أو يُصاب بالخبل والجنون، لا يفكر بأن الله خلقه وأمده بالمال ليضعه في موضع اختبار وامتحان، فلا هو صرف ماله على الوجه الحق، مساعدةً وتبرعاً وبحثاً عن الفقراء والمحتاجين والمعسرين والمعوزين وأصحاب الحاجة والفاقة، بل بذره ونثره على توافه الأمور وسيئات الأعمال، لم يفهم أن الحياة محدودة قد تمتد لأيام أو لأشهر أو لسنوات تقصر أو تطول، ولم يأخذ العبرة من القصص والحوادث التي يسمعها ويراها ويمر بها. إن الانخداع بالدنيا وزخرفها وزينتها لا بد أن يتوقف عند هذا الصنف من اللاهثين خلفها، وليعلموا بأن الدنيا مثل الفاكهة التي قُطفت للتو من شجرتها النضرة والتي ستفقد نضارتها ورونقها بعد وقت يسير من قطفها. إن هناك أشياء لا يجب أن تغيب عن عقول هؤلاء، وهو أن الغنى والمال ملك لله وحده، وهو صاحبها الحقيقي، وهو الذي يوزعها على من يشاء من عباده، وفي المقابل يريد جلَّ في علاه من عبيده أن يحمدوه ويشكروه ويؤدوا له فروض العبادة والطاعة على الوجه الصحيح. إن الإنسان المؤمن العاقل الواعي صاحب الثروة عليه أن لا ينسى أبداً حق الآخرين في ماله الذي مده الله به، براً وإحساناً، عطاءً وتصدقاً وزكاةً، وفي كلجوه الخير ومساراته، وأن يبعد كل البعد عن توافه الأمور، وسيئات الأعمال، وأن يخاف الله في تصرفاته، وإنفاقه، وأن يجعلها في مداخيل حميدة، تنفعه في الدنيا وفي الآخرة، وترفع مقامه وسمعته عند الله وبين الناس.