حصة التويم
أشهد الله على محبة نبينا محمد بن عبدالله وآله وصحبه صلى الله عليه وسلم، والعمل بما جاء به، واجتناب ما نهى عنه.
محبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان، ولا يكمل إيمان مسلم إلا بتمامها وقد قرنها الله عزَّ وجلّ بمحبته كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}.
وقد ربطها المولى عز وجل بالإيمان فلا يتم إيمان المرء إيماناً كاملاً إلا بتقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الخلق كما ورد في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
المحبة تعني العطاء والعمل بما جاء به المجتبى، والانتهاء عما نهى عنه المصطفى. حينما نحب مبلغ دين الإسلام خاتم الأنبياء وصفيّ الأصفياء محمد بن عبدالله؛ فإن محبته سعادة، وحديثه عبادة، واسمه مقرون في الشهادة، ونصرته تأكيد لهيمنة السيادة؛ لذا فإننا نجلّه بفائض الامتنان، حبٌ بإحسان إلى نفوسنا وذلك بأن نتبع هداه، ونقتدي بتقواه، ونجعل بسنته عن النار منجاة..
ولذلك تقتضي المحبة سلوك العادة في انتهاج العبادات قولاً وفعلاً بإيمان تام ويقين بالحق مستدام، ونصرة للإسلام إعلاءً لعزّته، ودفاعا عن مبلّغ الإسلام نصرةً لمقامه، وهيبة لمكانته في ليلة بدرٍ اشتدَّ ظلامها، وأوغرت في نفوس العِدا إيلامها، وتقابست كل الشُّهب بلمعانها لتهدي الحكمة في التعامل مع أعداء الدين لتهدي من ضلّ، وتكبت من تطاول أو زلّ.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ}.
فقد ظهر نوع جديد من الغزو الفكري بتنفير المسلمين عن دينهم، وذلك بالطعن والاستهزاء في نبي الأمة بكثرة التطاول بالقول البذيء والرسم الجريء تحقيقاً لأهداف خفيّة ومكاسب ذاتية، تعالى نبينا عن ذلك وبقي عزيز الجناب.
قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم الأسود بن المطلب أبو زمعة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: اللهم أعم بصره، وأثكله ولده، والأسود بن عبد يغوث، والوليد بن المغيرة بن مخزوم، والعاص بن وائل، والحارث بن الطُلاطلة لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ}.
ورد في تفسير السعدي: هذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة.
مهما أراد المستهزئون الدوس على مشاعر المسلمين بإحداث شرخ بالغ الأثر في صفوف المسلمين؛ عن طريق بثّ الحرب النفسية بالإرهاب الفكري وغزو العقول، مهما بلغوا في الشر ومهما توارثوا الحقد على الإسلام كابرا عن كابر؛ بالرقص على إثارة الفتن وطعن القلوب بالاستهزاء بسيد العالمين، وإمام المبلغين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم فإن الله كافيه بحفظ مكانته في نفوس المسلمين، وإبقاء دينه حتى قيام الساعة، ومنزل عقوبته على مستهزئيه.
ومهما اعتلى شأنهم في أقوامهم وارتفع كعب حضارتهم عالياً فإن الله سيقوض أملاكهم، وينزل الرعب في نفوسهم، وينزل بهم غضبه وعقابه.
ولنا في قصة كسرى خير دليل حين أرسل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً يدعوه إلى الإسلام فمزقه، واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله، ومزق ملكه كل ممزق بدعوة الرسول عليه بقوله: «مزق الله ملكه»، فلم يبق للأكاسرة ملك، وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) فكل من شنأه وأبغضه وعاداه، فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره، وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو في عقبة بن أبي معيط، أو في كعب بن الأشرف، وجميعهم أخذوا أخذ عزيز مقتدر. خسر شانئوه، ولا عاش حاسدوه، وهوت في سحيق جهنم رؤوس من يهجوه.
فمن أصرّ على قتل النفوس بحرب على الإسلام ونبي المسلمين أشد مضاضة، فستناله من العقوبة ما يزلزل ملكه، ويقوض أركانه، ويضيع عن مقاومته التمسك بعنانه، وتذهب بجفاء الريح حضارته وثقته بأعوانه أمام قوة وجبروت الإسلام بحجته، وشرائعه القوية التي لن ينقصها سبّ وشتم وسخرية واستهزاء؛ مادام للكون ربّ يحميه فلمبلّغ الدين ربّ يحفظه من كل سوء. وما ذاك سوى بلاء لاختبار صبر المسلمين على الأعداء باستظهار قوة التمسك بالدين، وحمايته من انتقاصه، وحفظ محبة رسوله في نفوسهم بشدة التمسك بالاقتداء به واتباع أوامره واجتناب مناهيه.
إن من عقيدة أهل السنة أن من آذى الصحابة، يجب ردعه وتأديبه، فكيف بمن آذى نبياً من الأنبياء، فكيف بمن آذى محمداً صلى الله عليه وسلم؟! {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً}.
ففي نصرته والدفاع عنه قمع لشتى أنواع الإرهاب، وما ذانك بحرية رأي إذ لا تسمح الحرية بتجاوز المبادئ، والاعتداء على الرموز الدينية.
إليك يا من هذا شأنه من الدول الغربية وغيرها التي لم تقم للعدل في اتخاذ الرأي شريعة، فإنها ستغدو في الظلم وقيعة، وستطرق للشر كل ذريعة، وستهوي بالذل والخسران لأنها كانت للإرهاب صنوان..
ونحن بدورنا بقدر ما نملكه من حب وامتنان، يقتضي الدفاع بقوة الحرف والبنان وبذلك نستكره هذه الأفعال ولا نقبلها ولكن لا نقابل الإساءة بالإساءة؛ لأنه كلما ازدادت فوّهة الخلاف كثرت المخاسير، وكلما اتسعت دائرة الوعي باتّزان الانفعال، وضبط النفس قلّت المحاذير قالت تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
ينبغي أن نتعامل بمثل الإسلام وقيمه والإحسان بجلب المسيء إلى معرفة الحق وإعلاء شأن وحدتنا؛ وذلك بنصرة رسولنا الكريم بالإقبال على التمسك بسنته، وقراءة سيرته، وفضائل أخلاقه والتربية الحسنة للأبناء على مبادئ الإسلام وفضائله، وغرس محبته لدى الناشئة اقتداءً واقتفاء، والتعريف به، ومدحه والدعوة للتحلي بخلقه، والتعريف بسنته ونشره بعدة لغات بكل ما نملكه من قوة القلب والقلم وإغلاق فوهة السبّ والشتم بالنشر والتأييد لمحبة الرسول وطاعته تقنياً ورقمياً، والاحتفاء بالمحافظة على الدين، والعمل بالسنة في الأقوال والأفعال، ومعرفة حدود حرية إبداء الرأي بعدم التعرض للأديان الأخرى، فمن كان مسلماً بقوة قلبه ناكراً للمنكر عليه ألا يتجاوز في ردوده حدود دينه، وهويّة تربيته، وأخلاق دينه؛ لعلّ من هزئ بالرسول جاهلاً، يطأطئ الرأس بالاعتذار مذعناً للإسلام والنبي والمسلمين. كما ينبغي عدم إظهار الانتماء لمن أحدث في صفوف المسلمين إرجاف؛ بل يعامل بالصدّ والاخفاف حتى يحسن التعامل بإنصاف..
لك يا رسول الله منّا نصرةٌ
بالفعل والأقوال عما يُفترى
نفديك بالأرواح وهي رخيصةٌ
من دون عِرضك بذلها والمشترى
أسأل الله أن يعجّل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالانتصار، وأن يعزّ الإسلام وأهله ما تعاقب الليل والنهار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد عدد ما حلَّق في الأفق من أطيار، وعدد ما جرى في الأرض من أنهار.